ـ[أبو طارق]ــــــــ[05 - 10 - 2009, 03:06 م]ـ
أجزل الله لك العطاء أستاذنا الفاضل
ولا أراك الله في نفسك, ولا في من تحب سوءًا
ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 10 - 2009, 03:17 م]ـ
وأجزل لك أيها الحبيب، وجعل لك من دعائك أوفر نصيب، وشكر مرورك وتعليقك الكريم.
يقول ابن القيم رحمه الله:
"إن رجلاً من مزينة - أَو جهينة - أَتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أَرأَيت ما يعمل الناس ويتكادحون فيه، أشيء قضي عليهم ومضى، أو فيما يستقبلون مما أَتاهم به نبيهم؟ قال: فيما قضي عليهم ومضى. فقال الرجل: ففيم العمل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان خلقه الله لإِحدى المنزلتين فسيستعمله لها) ". اهـ
ص85.
فليس العلم الأول بحجة لعاص، إذ لا يحتج أحد بما لا يعلم، وإنما يصح الاحتجاج بما قد علم، والعبد لا يعلم الفعل إلا بعد وقوعه فيصير محلا وجوديا قابلا لتعلق الثواب والعقاب به، وسنة الله، عز وجل، قد اقتضت ألا يتوصل إلى المنازل المقدرة عنده أزلا: سواء أكانت على حد المدح أم الذم إلا بالعمل، فهو السبب المؤثر في استحقاق العباد الثواب أو العقاب، فمن خلق للسعادة أزلا فإن الله، عز وجل، سيستعمله في الأسباب الموصلة لها فضلا، ومن خلق للشقاوة أزلا فإن الله، عز وجل، سيستعمله في الأسباب الموصلة لها عدلا، فالخلق، كما تقدم مرارا، في مأمن من ظلمه، لكمال غناه الذاتي، فلا يفتقر إلى ما عند خلقه ليظلمهم فيقدر عليهم المعصية جبرا ثم يؤاخذهم عليها، فذلك مما تبطل به الحجة الرسالية، فيصير بعث الرسل، عليهم السلام، على هذا التصور الفاسد: عبثا يتنزه عنه الباري عز وجل.
يقول ابن القيم رحمه الله:
"وتصديق ذلك فى كتاب الله عَزَّ وجَلَّ: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَألْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} ". اهـ
ص85.
فألهم النفس أسباب الفجور وأسباب التقوى بمقتضى كلماته الكونيات النافذات، فبكلماته الشرعيات عرف الخير من الشر على حد البيان الرافع للإجمال المصحح للحجة الرسالية، وبكلماته الكونيات النافذات: استعمل من استعمل من المسددين في مباشرة أسباب التقوى، واستعمل من استعمل من المخذولين في مباشرة أسباب الفجور، وذلك جار على حد الحكمة البالغة التي تحصل بها أعظم المصالح للعباد إحسانا من الرب، جل وعلا، إليهم مع كمال استغنائه عنهم، فليس استعمال البعض في مباشرة أسباب النجاة، واستعمال البعض الآخر في مباشرة أسباب الهلاك، ليس ذلك على حد الفعل لمجرد الفعل إظهارا للقدرة بلا حكمة، بل هو جار، على ما تقدم مرارا، من سنن القدرة النافذة والحكمة البالغة.
يقول ابن القيم رحمه الله:
"وقال مجاهد فى قوله تعالى: {إِنَنِّى أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُون} [البقرة: 30]، قال: علم إِبليس المعصية وخلقه لها. وقال تعالى: {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} ". اهـ
ص85.
فالطباق بالسلب بين: "أَعْلَمُ" إيجابا، و: "لا تَعْلَمُون" نفيا: فرقان بين علم الرب، جل وعلا إثباتا، وعلمهم نفيا، فعلم من إبليس المعصية فخلق آدم عليه السلام ابتلاء له واستخراجا لمكنون صدره لتقام عليه الحجة من نفسه، ولتتحقق حكمة الرب، جل وعلا، في تسليط إبليس وذريته على آدم عليه السلام وذريته، فتقام سوق الجهاد بين الحزبين، وتستخرج بمقتضى الكلمات الكونيات التي بها أخرج آدم من الجنة وأهبط إلى الأرض: كلمات شرعيات هي مما يرضاه الرب، جل وعلا، فـ: (فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)، فتلك كلمات التوبة ثم تلقى هو ومن بعده من الأنبياء من ذريته: كلمات الوحي التي بها صلاح الدنيا والدين، فتلك عبوديات جليلة تتحقق بها حكم بالغة، ومصالح عظيمة للبشر في الدارين، فبها تصلح الدنيا بصلاح العباد فيؤمن شرهم ويرجى خيرهم، وبها تصلح الآخرة بما يلقاه المؤمنون من جزيل الثواب.
وكل ذلك أعظم قدرا من مفسدة خلق إبليس مادة الشر فاغتفر ضرر خلقه في مقابل ما تولد من ذلك من الحكم والمصالح العظمية على التفصيل المتقدم.
¥