تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 10 - 2009, 05:30 م]ـ

قال ابن القيم رحمه الله:

"وقال سعيد بن جبير: عن ابن عباس فى قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]، قال: يحول بين المؤمن والكفر ومعاصي الله، ويجول بين الكافر والإِيمان وطاعة الله". اهـ

ص85.

فاعلموا على حد اليقين المؤكد بـ: "أن" التي سدت مع ما دخلت عليه مسد مفعولي: "علم" على حد: واعلموا حولان الله، عز وجل، بين المرء وقلبه كائنا، فيحول بين المؤمن والكفر والمعاصي على حد الفضل، إذ قد طيب محله جبلة، وبذر فيه بذور الخير، فقامت بقلبه ولسانه وجوارحه أجناس الطاعات، وما كان له ذلك لو وكل إلى نفسه، ولكن الله، عز وجل، تولى أمره فحول قلبه عن الكفر والمعصية إلى الإيمان والطاعة، فلا حول ولا قوة إلا بالله، لمن تدبر معناها، فلا تحول عن الكفر إلى ضده من الإيمان ولا قوة تقوم بالعبد على حد الاستطاعة الشرعية الأولى بصحة الآلات التي بها يتوجه خطاب التكليف بإيقاع الطاعات على حد الإيجاب أو الندب والكف عن المنهيات على حد التحريم أو الكراهة، والاستطاعة الكونية التالية بتصحيح الإرادات وشد معاقد الهمم الشريفات ثم إيقاع الأفعال في عالم الشهادة، لا شيء من ذلك إلا بالله، عز وجل، الذي يمن به على من شاء فضلا ويحجبه عمن شاء عدلا.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وقال ابن عباس ومالك وجماعة من السَلَف فى قوله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118 - 119]، قالوا: خلق أَهل الرحمة للرحمة، وأَهل الاختلاف للاختلاف". اهـ

ص85.

فخلق أهل الرحمة للرحمة، فضلا بمقتضى كلماته الكونيات بموافقتهم كلماته الشرعيات، فاجتمعت فيهم الإرادتان: الكونية الخالقة والشارعة الحاكمة، وخلق أهل الاختلاف للاختلاف كونا، فوافقوا الإرادة الكونية النافذة وخالفوا الإرادة الشرعية الحاكمة، فلا خروج لكلٍ عن الأمر الكوني متعلق الربوبية العامة: ربوبية قهر النفوس وجبل القلوب على الطاعة أو المعصية موافقة لمعلوم الرب، جل وعلا، الأول، فعلم أزلا: محال الهداية فوهبها لأصحابها فضلا، وعلم أزلا محال الضلالة فحجب الهداية عنهم عدلا، وذلك عين الحكمة الإلهية، فلكل مقام مقال فلا تستوي أرض طيبة تقبل آثار الرحمات الإلهية وأرض بوار لا تقبل إلا ما وافق هواها.

وقال بعض أهل العلم: الإشارة عائدة إلى أقرب مذكور: وهو الرحمة فللرحمة خلقهم بمقتضى الأمر الشرعي فأبوا إلا الاختلاف فوقع بمقتضى الأمر الكوني.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وقال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الْكِتَابِ} [الأعراف: 37] أَى نصيبهم مما كتب لهم". اهـ

ص85.

فـ: "أل" في الكتاب: عهدية ذهنية تشير إلى كتاب بعينه وهو: الكتاب المسطور الذي رقمت فيه مقادير العباد وأعمالهم على حد الإبرام فلا مبدل لكلمات الله، عز وجل، الكونيات، فذلك مما قد حكم الله، عز وجل، بنفاذه.

أو هو بمعنى الفعل فيكون مصدرا قد ناب عن عامله على تقدير: أولئك ينالهم نصيبهم مما كتب لهم.

قال ابن القيم رحمه الله:

"وقال: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِى قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} [الشعراء: 200]، قال الحسن وغيره: الشرك والتكذيب". اهـ

ص85.

فسلك الشرك والتكذيب في قلوب المشركين والمكذبين، فهو في حقهم: حتم لازم، وإن خوطبوا بالتكليف الشرعي، فذلك جار على حد ما قرر أهل العلم في حد المحال لتعلقه بعلم الله، عز وجل، لا لكونه محالا ذاتيا في نفسه، فخطاب أمثال أبي لهب بالإيمان: جائز، إذ وقوع الإيمان منه في حد ذاته: ممكن مقدور، والتكليف لا يكون إلا بمقدور، كما قرر أهل الأصول، فلما تعلق ذلك بعلم الله، عز وجل، الأزلي الأول، بعدم وقوع الإيمان منه لحكمة الرب، جل وعلا، إذ حجب هدايته عن محل غير قابل، لما تعلق ذلك الممكن بنفسه بذلك العلم الأول الذي قضي على حد الإبرام فلا يتبدل ولا يتغير صار: محالا لغيره لا لذاته، فسلك الله، عز وجل، في قلبه الكفر، بمقتضى إرادته الكونية النافذة، وإن كان على خلاف إرادته الشرعية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير