تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 10 - 2009, 06:21 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وقال وهيب بن خالد: أَنبأنا خالد قال: قلت للحسن: أَلهذه خلق آدم - يعني السماءَ - أَم للأَرض؟ فقال:لا بل للأَرض.

قال: قلت أَرأَيت لو اعتصم من الخطيئة فلم يعملها، أَكان ترك فى الجنة؟ قال: سبحانه الله أَكَان له بد من أَن يعملها؟ ". اهـ

ص86.

فلم يكن لآدم بد من الوقوع فيها، وليس ذلك ما احتج به على الكليم عليه السلام، إذ كان الحِجَاج بينهما بعد توبة آدم، عليه السلام، فصح احتجاجه بالقدر إذ صارت المعصية بعد الإقلاع عنها والتوبة منها: مصيبة كونية كسائر المصائب الجارية على حد القضاء المبرم النافذ، فلا يملك العبد حيلة في رفعها بعد وقوعها فقد صارت وجودية كائنة بعد أن كانت عدمية مقدرة، وإنما يملك الحيلة في رفع أثرها بإحداث التوبة، فلذلك جاء التكليف بما يقدر عليه من رفع أثرها بالتوبة، ولم يجيء بما لا يقدر عليه من رفعها، إذ ما كان لا يرفع، فذلك من المحال الذي لا يكلف الله، عز وجل، به عباده، ويقال من جهة أخرى بأن محل الحجاج بينهما لم يكن: المعصية، وإنما كان أثرها وهو مصيبة الإخراج من الجنة، فهي، كما تقدم، من المصائب التي لا يملك العبد رفعها بعد وقوعها، فغايته أن يدفع أثرها بما سن الله، عز وجل، من أسباب الشرع والكون على حد التعبد، وهو ما فعله آدم عليه السلام بعد تلقي الكلمات إذ دعا بهن مع زوجه فقالا: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ). فكان ذلك رافعا لشؤمها، وبقي من آثارها إنزاله إلى دار التكليف على ما قضى الله، عز وجل، أزلا، لتظهر آثار قدرته وحكمته في الصراع الدائر بين القبيلين: آدم وذريته، وإبليس وذريته وأوليائه من الإنس من لدن أهبط آدم وإلى قيام الساعة.

وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ):

فالجعل كوني إذ النبوة منصب لا يكتسب برياضة أو فتوة، بل الله، عز وجل، أعلم حيث يجعل رسالته بمقتضى إرادته الكونية النافذة إذ اطلع على قلوب العباد أزلا، وعلم المحال الصالحة لحمل رسالات السماء، فاقتضت حكمته البالغة إنزال الكتاب العزيز على قلب النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما اختصه به من الفضيلة، دون قلوب غيره من العباد سواء أكان لهم من الخير نصيب، بل لو كان غيره أعظم الناس إيمانا بعد الأنبياء والمرسلين: أبا بكر، رضي الله عنه، فقد اصطفي لمنصب الصديقية لا لمنصب النبوة، وذلك، أيضا، جار على مقتضى الحكمة الربانية البالغة، فلا يصلح الصديق، رضي الله عنه، لمنصب النبوة، إذ ليس على حدها، وإن كان له من الفضيلة ما له، ولكن الأمر، كما تقدم، جعل كوني، لا اختيار للبشر فيه لينصبوا فلانا دون فلان نبيا، أو كان لهم من ضده من الشر أعظم نصيب، فأولئك أولى بالحجب عن منصب النبوة، إذ لم يختصهم الله، عز وجل، بما اختص به الأنبياء والصديقين، بل وعامة المؤمنين من الهداية الخاصة، فذلك فضله يؤتيه من يشاء فضلا، ويحجبه عمن يشاء عدلا: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ):

فقالوا ذلك على سبيل الاقتراح الذي يدل على نوع تحكم، بل هو أعظم صور التحكم، فالحض في: "لولا" التي دخلت على الفعل: "نزل": فيه سوء أدب برد قضاء الله، عز وجل، الكوني، الذي اصطفى النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم لحمل آخر الرسالات، وهذا حال المترفين في كل عصر ومصر، على حد قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)، فهو أعلم على حد التقرير بالشاكرين الذين اختصهم بتلك النعمة الشرعية فصاروا أهلا لقبول آثار

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير