تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الهداية الربانية الخاصة، وإن لم يكن لهم من النعم الكونية من مطاعم ومشارب ومناكح كبير نصيب، فسعة الدنيا ليست مئنة من سعة الدين، بل هي على الضد من ذلك، مظنة رقة الدين، وإن وجد من أهل اليسار الكوني، من امتن الله، عز وجل، عليهم باليسار الشرعي، وذلك فضل الله، عز وجل، يهبه لمن يشاء بمقتضى حكمته الباهرة، فمن الناس من اختص بكلتا النعمتين: الشرعية والكونية، ومنهم من اختصه الله، عز وجل، بنعمة الشرع دون نعمة الكون، فهذان على حد المدح، على خلاف في المفاضلة بين: الغني الشاكر والفقير الصابر، إذ مع الأول من الديانة ما يشكر به النعمة، ومع الثاني منها ما يصبر به على النقمة. ومنهم من أعطاه الله، عز وجل، نعمة الكون دون نعمة الشرع، على حد العدل بتوفيته نصيبه في دار الفناء، أو الاستدراج كما يقع لكثير من المغرورين بنعمة الدنيا الزائلة فهي باعتبار الحال: على حد الفساد، وباعتبار المآل: على حد الفناء، ومنهم من حجبت عنه كلتا النعمتين، فهو أسوأهم حالا. وذلك التقسيم جار على حد قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ حَقَّهُ قَالَ فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ قَالَ وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا قَالَ فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مَالٌ عَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ قَالَ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ قَالَ وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقَّهُ فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ قَالَ وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ قَالَ هِيَ نِيَّتُهُ فَوِزْرُهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ"، فعم ثم خص على حد التوشيح إمعانا في التشويق.

والشاهد مما تقدم أنهم لغفلتهم عن معاني القدرة الكونية والحكمة الربانية اقترحوا وضع النبوة في غير الموضع الذي وضعها الله، عز وجل، فيه، فطعنوا بلسان الحال والمقال في حكمة الرب، جل وعلا، إذ وضع النبوة، بزعمهم، في غير أهلها، ولذلك جاء الاستفهام الإنكاري الإبطالي الذي لا يخلو من التوبيخ: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ)، فذلك معنى باطل منتف بداهة، فجاء الشطر الثاني من الآية: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ)، على حد إثبات المنفي عنهم لله، عز وجل، على حد التوكيد بتكرار الفاعل: معنويا: "نحن" إذ: المبتدأ: المسند إليه على حد الفاعل، فكلاهما قد أسند إليه معنى، فالمبتدأ قد أسند إليه الوصف الذي اشتق منه الخبر الذي يليه، والفاعل قد أسند إليه الوصف الذي اشتق منه الفعل الذي يسبقه، فهو، وحده، جل وعلا، الذي قسم الأرزاق الدينية من: نبوة وصديقية وصلاح وشهادة .............. إلخ من الدرجات الرفيعة والمراتب الشريفة فذلك من فضله إذ أعطى أصحاب تلك المراتب من الفضل والطاعة ما صاروا به أهلا لنيلها، ففضله على الطائع قبل أن يطيع، إذ قدر له ذلك أزلا، وأعانه: إعانة خاصة، على إيقاع الطاعة في عالم الشهادة فجاءت موافقة لما سطر في الكتاب الأول، ومن ضدها من: الكفران والتكذيب والفسق والعصيان ............. إلخ من الدركات الوضيعة والمراتب الحقيرة فذلك من عدله، إذ قدر على أصحاب تلك المراتب من الكفر والعصيان ما صاروا به أهلا لها، فعدله فيهم كائن من لدن كتبها عليهم في الأزل، وقضى بوقوعها منهم في عالم الشهادة فجاءت موافقة للكتابة الكونية الأولى فليسوا أهلا للهداية الشرعية على حد الإلهام وإن قامت عليهم الحجة على حد البيان، وهو وحده، جل وعلا، الذي قسم الأرزاق الدنيوية من أمور المعاش، فأمر الدين والدنيا له وحده، يهدي من شاء فضلا، ويضل من شاء عدلا، ويوسع على من شاء فضلا أو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير