تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 10 - 2009, 05:26 م]ـ

ومن النصوص التي ذكرها ابن القيم، رحمه الله، في هذا السياق:

ومن قوله تعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)

فكما لم يؤمنوا بالآيات الأول، عوقبوا بالإعراض عن الآيات الأخر، كما أثر ذلك عن ابن عباس، رضي الله عنهما، وإليه أشار البغوي، رحمه الله، بقوله:

" {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} قال ابن عباس: يعني ونحول بينهم وبين الإيمان، فلو جئناهم بالآيات التي سألوا ما آمنوا بها كما لم يؤمنوا به أول مرة، أي: كما لم يؤمنوا بما قبلها من الآيات من انشقاق القمر وغيره، وقيل: كما لم يؤمنوا به أول مرة، يعني معجزات موسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام، كقوله تعالى: (أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل)، وفي الآية محذوف تقديره فلا يؤمنون كما لم يؤمنوا به أول مرة". اهـ

والمضلرع: "نقلب": مئنة من التجدد والاستمرار، فذلك من القدر الكوني المتتابع، فالقلوب بيد مصرفها، جل وعلا، فيهدي فلانا فضلا، إذ قد أصلح قلبه، فزالت منه مادة الفساد المانعة من الصلاح والهداية بالانتفاع بعلوم وأعمال الشرع المصححة لعقود القلوب العلمية، المزكية لمحال التكليف العملية من قلب باطن، ولسان ناطق، وجارحة ظاهرة.

ويضل فلانا عدلا، وإن كان مبدؤه صالحا، إذ قد علم في قلبه مادة فساد لم يهتم بإصلاحها، اغترارا بفضل الرب، جل وعلا، وحلمه، فاتسعت تلك البؤرة حتى هلك من هلك وهو يحسب أنه يحسن صنعا، وزاغ من زاغ وإن كان له حظ من العلم على حد الحفظ والتلقين، وانتكس من انتكس بذنوب الخلوات، فقام بقلبه ذنوب خفيات من كبر وعجب ورياء ....... إلخ، فتلك من جنس ما قام بقلب إبليس الذي نازع الرب، جل وعلا، حكمه الشرعي النافذ، بقياسه العقلي الفاسد، على حد من يضع لنفسه ولغيره نواميس وسياسات، فيلتزم بها في نفسه، ويلزم بها غيره، على حد القهر، إن كان ذا سيف أو سلطان، ولو كانت على خلاف الشرع المنزل، فهو مبتغ للتأله والتجبر في الأرض، منازع للرب، جل وعلا، وصفا من أخص أوصاف ربوبيته، فمنطوق التنزيل: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، فجعل الأمر الشرعي فرعا عن انفراده بالحكم على حد القصر الحقيقي بأقوى أساليبه، فالحكم لله، عز وجل، وحده لا لغيره فذلك النفي مفهوم التنزيل، و: "أل" في الحكم جنسية تعم كل أجناس الحكم الذي اختص به الرب، جل وعلا، فله، وحده على حد الإفراد وجوبا عقليا، وشرعيا باعتبار تعلق الأمر بإفراده بذلك بأفعال المكلفين، له وحده: الحكم الكوني: إحياء وإماتة، نفعا وضرا، إعطاء ومنعا .......... إلخ، وله وحده فرعا عن انفراده بذلك الوصف الرباني، له وحده: الحكم الشرعي بمقتضى ما أنزل على رسله من الكتب، وما شرع على ألسنتهم من السنن، فلازم ذلك بداهة: إفراده بأفعال المكلفين على حد التأله والديانة، إذ هو المنفرد بأوصاف وأفعال الربوبية على حد الكمال: جلالا قاهرا وجمالا راحما، فانفراده بأفعال الرب ذريعة إلى إفراده بأفعال العبد، فذلك: وصف ربوبيته، وهذا وصف ألوهيته على ما اطرد مرارا من التلازم الوثيق بين ربوبيته وألوهيته، جل وعلا، فلا ينفك منازع للرب، جل وعلا، في أحكامه الشرعية، معارض لها بقياس عقله أو وجدان ذوقه أو نخالة أذهان متشرعي الأمم من لدن ياسق جنكيز إلى ياسق العصر الحديث، لا ينفك من هذا وصفه عن منازعة للرب، جل وعلا، وصف حكمته في التشريع وربوبيته في التقدير، بل هو منازع للرب، جل وعلا، في أوصاف كثيرة، من حيث لا يشعر جهلا، أو يشعر عنادا واستكبارا، فهو منازع له في علمه، إذ لسان حاله: ادعاء علم ما لم يعلمه الله، عز وجل، بعلمه الأزلي المحيط، من مصالح العباد الدينية والدنيوية.

فقياس عقله في مسائل الإلهيات الغيبية مقدم على محكم النصوص الشرعية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير