تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ووجدان ذوقه وما يعرض له من خيالات وشطحات مقدم على الآيات البينات الناقضات لما يدعيه من الأحوال العلمية والعملية الباطلة، فلا ينفك البطلان في العلم عن بطلان في العمل، كما تقدم مرارا، إذ فساد الحكم الظاهر مئنة من فساد التصور الباطن.

وما يعرض له من المصالح الآنية العاجلة مقدم على ما يعلمه الرب، جل وعلا، من المصالح العظمى الآجلة التي ادخرها لعباده، إن التزموا حكم الشريعة النازلة، وإن بدا لعقولهم القاصرة أن المصلحة فيما حظره الشارع، عز وجل، كحال من يبيح الربا تحصيلا لفائدة عاجلة تعود على أصل المال بالإتلاف، كما يقع في الأزمات المالية العالمية كالأزمة التي يعيشها العالم الآن، وقد صار الربا شعاره ودثاره فلا يكاد يسلم منه أحد فمن لم يصبه بجرمه، أصابه بأثره وغباره.

وقل مثل ذلك في كل الأحكام الشرعية: خاصة كانت أو عامة، فأحكام الأسرة من زواج وطلاق ....... إلخ، إن لم تكن على رسم الشريعة، انحلت عرى اللبنة الأولى في المجتمع، كما هو مشاهد الآن في واقعنا المعاصر، إذ أحسن أصحاب الهوى استغلال الأوضاع الاجتماعية المتردية من جراء هوان الشريعة على أهلها، فكانت العقوبة الربانية بتسليط أولئك المفسدين لشريعة رب العالمين، فراموا تحريفها بل حجبها عن أهلها الذين هم عنها لاهون، وبغيرها من أمور المعاش مشتغلون، والحق عزيز، لا يبذله الله، عز وجل، على حد الامتنان، إذ هو أعظم المنن الربانية لمن تدبر وتأمل نعم الباري عز وجل الشرعية والكونية، لا يبذله إلا لمن هو له أهل من المعظمين لمقام الربوبية الملتزمين بأحكام الألوهية، فإذا راجع الناس دينهم أصلح الله أحوال المتولين عليهم، وإن نبذوه ابتلاهم الله، عز وجل، عدلا، بمن يضلهم، فيريهم الباطل حقا واجب الاتباع، ويريهم الحق باطلا واجب الاجتناب، أو مباحا، على أدنى الأحوال!، فلا ضير في تركه، بل تركه هو الأولى بأصحاب العقول الكاملات، و: "كما تكونوا يولَّ عليكم"، وإن كان الحديث ضعيفا فمعناه صحيح، فذلك عام في كل الولايات: سواء أكانت سياسية أم دينية، فحال المترأسين في السياسات والأحكام من جنس المرءوسين، فأولئك بمنزلة الرأس للجسد، فإن صلح الجسد صلحوا، ولو اضطرارا، وإن فسد، فسدوا كما هو حال كثير من جماعات المسلمين في العصر الحاضر، إذ رءوس الدنيا قد تغلبوا بحد السيف، وءوس الشريعة قد أذلوا أنفسهم للسلطان، فعطاء بيت ماله لا يكون إلا لمن وافقه وأظهر ولاءه، ولو كان على الباطل المحض.

والشاهد أن ذلك الفساد منتشر لا يختص بباب دون باب، بل هو: عام يشمل كل أبواب الديانة: علوما كما وقع من المتكلمين الذين خاضوا في الإلهيات بأقيسة العقل، وأعمالا كما وقع من أصحاب الأهواء المتسترين برداء الحضارة والمدنية ابتغاء تحريف بل إزالة الشرعة الإلهية، وسياسات كما يقع من المتملكة والمتأمرة برسم القهر فالانقياد لأمر الشرع إبطال لولاياتهم وذهاب بحظوظهم وشهواتهم العاجلة: حسية كانت أو معنوية، فالشرع مزيل لوجاهاتهم النفسية ومتعهم الجسدية، فلا ينفك مكلف عن ميل إلى ذينك الجنسين من الحظوظ العاجلة: حظ النفس الوهمي بالتعظيم والتوقير ولو زورا ونفاقا، وحظ الجسد الحسي ولو كان حراما، وأخلاقا وسلوكا كما يقع من أهل الطريق الذين أحدثوا من طرائق الزهد والتربية ما خرجوا به عن حد الاعتدال الذي جاءت برسمه الشريعة الحنيفية السمحة فوقعوا في أجناس من الغلو في العلوم والأعمال أخرج فئاما منهم عن حد الديانة بالكلية، فوقعوا، لجهلهم، في ضد ما أرادوه بعملهم. وعمل بلا علم جار على حد قوله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير