تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والمفسد لا يقر له قرارا، ولا يهدأ له بال، حتى يوقع غيره فيما وقع فيه من فساد في العلم أو العمل، على حد قول القائل: ودت الزانية لو أن كل النساء زواني!، فيزين لغيره الفساد على حد الترغيب، ويحمله عليه بحد السيف على حد الترهيب، كما وقع من أصحاب المقالات الأولى لما انتحل السلطان طريقتهم، فامتحنوا عموم الأمة بمقالتهم، وكما يقع في واقعنا المعاصر من سن لقوانين ملزمة على حد القهر تقيد أهل الحق والفضل، فذلك من جنس السيف، وإن لم يكن حديدا يقطع الأبدان، فمن السيف: ما يقطع الأرزاق، بقدر الرب جل وعلا الكوني، ومنه ما يضيق دائرة الحلال فيضطر الناس إلى الحرام اضطرارا، ومنه ما يضيق على أهل العفة ويمكن لأهل المجون والخلاعة ......... إلخ من صور القهر التي يسنها أصحاب السلطان للتضييق على أهل الإيمان.

فمن شؤم المعصية أن تستجلب بها أخرى، فذلك من عدل الله عز وجل، كما أن من بركة الطاعة أن تستجلب بها أخرى، فذلك من فضل الله عز وجل، فكما لم يؤمنوا أول مرة لفساد قلوبهم التي لفظت الإيمان فلم تقبله، إذ الطيب لا يلتئم إلا مع طيب، لم يؤمنوا في المرة الثانية فزادت النكتة السوداء في قلوبهم انتشارا، ثم لم يؤمنوا ثالثة فرابعة حتى عم السواد قلوبهم، على حد قول علي رضي الله عنه: "إن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب، فكلما ازداد الإيمان عظما ازداد ذلك البياض، فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله، وإن النفاق يبدو لمظة في القلب، فكلما ازداد النفاق عظما ازداد ذلك سوادا، فإذا استكمل النفاق اسود القلب كله، وايم الله، لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود"، على كلام في إسناده، فالمقابلة بين أثر الإيمان وأثر الكفران انتشارا بتوالي الطاعات أو المعاصي تزيد المعنى بيانا على حد الترغيب في الأول والترهيب في الثاني.

ومما ذكره ابن القيم، رحمه الله، أيضا:

وفي الآية التالية: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ):

فـ: "لو": هنا: وصلية على حد المبالغة، فلو قدر وقوع ذلك مع ما فيه من دلائل قاطعة على وحدانية الرب جل وعلا تصير الغيب شهادة فلا ينكره إلا من بلغ من فساد العقل غايته، لو قدر وقوع ذلك ما آمن إلا من قدر الله، عز وجل، له الإيمان أزلا، فذلك فضله يؤتيه من يشاء، فالمعنى ثابت من باب أولى في حق من لم تنزل عليه الملائكة وتكلمه الموتى ويحشر عليه كل شيء قبلا، فلن يؤمن إلا إذا شاء الرب، جل وعلا، له الإيمان، فذلك من هداية الإلهام التي لا يملكها إلا رب القلوب ومصرفها، تبارك وتعالى، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا.

وقد أكد المعنى بلام الجحود المسبوقة بالكون المنفي: "ما كانوا"، فذلك آكد في معرض النفي.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[11 - 10 - 2009, 07:15 م]ـ

ومما ذكره ابن القيم، رحمه الله، أيضا:

"وقال زيد بن أسلم: والله ما قالت القدرية كما قال الله ولا كما قال رسله ولا كمال قال أَهل الجنة ولا كما قال أَهل النار ولا كما قال أَخوهم إِبليس، قال الله عز وجل: {وَمَا تَشَاءُون إِلا أَن يَشَاءَ الله} [الإنسان: 30] [التكوير: 29]، وقالت الملائكة: {لا عِلمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32]، وقال شعيب: {وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نّعُودَ فِيهَآ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ} [الأعراف: 89]، وقال أَهل الجنة: {الْحَمْدُ للّهِ الّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلآ أَنْ هَدَانَا اللّهُ} [الأعراف: 43]، وقال أَهل النار: {غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون: 106]، وقال أَخوهم إِبليس: {رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي} [الحجر: 39] ". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير