تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من عنده علم، ولكنه يفتقر إلى الحكمة فيكون علمه عليه وبالا، كعلم المدنية الغربية الحديثة التي تفتقر إلى نور الوحي الهادي، فقد كفرت بكهنوت الكنيسة البالي، ولم تهتد إلى دين التوحيد الباقي، فانتقلت من عبادة الكنيسة برسم الخلاص من شؤم الخطيئة الأولى إلى عبادة نفسها برسم الخلاص، ولكن من الكنيسة هذه المرة!، ولسان حالهم: إلحاد يعطي العقل حريته ولو على حد الانفلات خير من تدين يلغي العقل إذ يأمره بانتحال نقل باطل يخالف قياس العقل الصريح إذ هو محال لا يتصوره العقل إلا على حد الفرض الجدلي، وذلك من جنس ما توسوس به الشياطين لا ما يبعث الله، عز وجل، به النبيين.

وما أوتي من أوتي في باب القدر إلا لقياسه علم الرب، جل وعلا، وحكمته على علم العبد وحكمته اللذين لا يدركان إلا المعلوم الآني، ولا يستحسنان إلا المصلحة العاجلة، ولو تولد منها ما تولد من المفاسد الآجلة، فالمعترض على القدر الكوني يرى المصيبة غير جارية على سنن الحكمة!، وإنما أراد حكمته البشرية القاصرة التي تسعى في تحصيل المرادات العاجلة ولو فات بتحصيلها من المصالح الآجلة ما عظم وصفا وقدرا، وأين قدر الدنيا الزائلة من الآخرة الباقية؟!، ولكن عقول العباد، إلا من رحم رب العباد، تزيغ من هول الصدمة الأولى فتعترض بلسان المقال أو الحال طاعنة في حكمة الرب المتعال، عز وجل، وقل مثل ذلك في المعترض على القدر الشرعي، فلا يرى إلا ما يستحسنه عقله سواء أكان ذلك في الأخبار الغيبية أم في الأحكام الشرعية، فالأول: طريقة المتكلمين الماضين ومن تأثر بهم من الخلف المحجوبين عن طريقة السلف المثلى في الإلهيات والسمعيات، والثاني: طريقة المتشرعين الحاليين ومن سار على طريقتهم في منازعة الرب، جل وعلا، حكمه الشرعي الذي هو من أخص أوصاف ربوبيته، فلا ينازعه فيه إلا طاغوت قد جاوز حد العبودية فرام نيل مرتبة الألوهية على حد المقالة الفرعونية: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)، فلم يرد ربوبية الخلق، إذ لو ادعاها لضحك منه العقلاء والسفهاء، وإنما أراد ربوبية التدبير بالأحكام النافذة على حد الأمر والنهي الملزم، ولو على خلاف الشرع المنزل، فذلك حال كل ناكل عن طريقة المرسلين إلى طرائق الشياطين، على حد قوله تعالى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ).

فهو: العليم الحكيم على حد المبالغة فضلا عن دلالة: "أل" على استغراق معاني العلم والحكمة، وقد يقال بأنها: عهدية ذهنية إذ ينصرف الاسم العلم بداهة إلى الرب، جل وعلا، فهو المسمى بالعليم الحكيم على حد التعريف.

وقول شعيب عليه السلام: (وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نّعُودَ فِيهَآ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ): فنفى عودتهم في ملة الإشراك، ولا يلزم من ذلك أن يكون شعيب داخلا معهم، فالأنبياء، عليهم السلام، منزهون عن الشرك، فلا يتعلق بهم إلا على حد الفرض العقلي المحض في معرض الجدال أو بيان مقادير الأعمال على حد ما تقرر مرارا في قوله تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فيكون سياق الآية جار مجرى العموم الذي أريد به الخصوص، فما يكون للجماعة المؤمنة على سبيل التغليب، إذ منها من لم يشرك ابتداء، ليصح القول بجواز عودته إلى ملة الإشراك، ما يكون لها الرجوع إلا أن يشاء الله، عز وجل، ذلك، فقول شعيب، عليه السلام، تجرد من الحول والقوة باستحضار مقام الجلال بتصريف قلوب العباد فلا يأمن مؤمن طائع الوقوعَ في الكفر أو النفاق، إذ القلوب بيد مصرفها على حد القدر الكوني النافذ، فلو شاء لأزاغ القلب القائم باستخراج مادة فساد فيه، قد خفيت على صاحبها حتى أهلكته من حيث لا يدري بمقتضى المكر الإلهي، مكر: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، فما ربك بظلام للعبيد ليسلب العبد نعمة منحه إياها إلا أن يبدل العبد، فيبدل الرب، جل وعلا، على حد قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون على حد قوله تعالى: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير