تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).

ومن بديع كلام الحسن، رحمه الله، في هذا الشأن الجليل ما رواه الخلال في "السنة" من طريق: أبي عبد الله، (وهو: أحمد بن حنبل رحمه الله)، قال: ثنا عفان، قال: ثنا أبو الأشهب، قال: ثنا طريف بن شهاب، قال: قلت للحسن: إن أقواما يزعمون أن لا نفاق، ولا يخافون النفاق. فقال الحسن: «والله، لأن أكون أعلم أني بريء من النفاق، أحب إلى من طلاع الأرض ذهبا». قال أبو علي: لك طلاع الأرض: ملؤها

"السنة"، (5/ 77).

وقول أهل الجنة: (الْحَمْدُ للّهِ الّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلآ أَنْ هَدَانَا اللّهُ): جار على ما تقدم من التسليم لحول الرب، جل وعلا، وقوته، فما كانت هداية الإلهام لتقع لولا أن قدر الله، عز وجل، بفضله، وقوعها، فليست، كما تقدم مرارا، لملك مقرب أو نبي مرسل، فغاية المخلوق من المخلوق في هذا الباب: بذل أسباب هداية الدلالة والإرشاد برسم النبوة أو الدعوة التي تنوب عن النبوة في مقام بيان الشرع على حد التبع لا الاستقلال، فلا يملك أحد الخروج عن شرائع النبيين، فهي القيد الملزم لكل مكلف في دار الابتلاء، فلا نجاة في الآخرة إلا بالسير على طريقتهم التوحيدية المثلى عموما، وطريقة الرسالة الخاتمة خصوصا فهي الجامعة، كما تقدم مرارا، لزبدة ما تقدمها من الرسالات: علوما وأعمالا، أخبارا وأحكاما.

وقول أهل النار: (غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا): جار على حد القدر الكوني النافذ فغلبت علينا شقوتنا من الأزل، إذ كتب الله، عز وجل، عليهم الضلالة عدلا، بكلماته الكونيات النافذات، فلو اجتمع أهل الأرض لهدايتهم ما اهتدوا، وإنما غايتهم، كما تقدم، بذل أسباب الهداية: دلالة وإرشادا لهم.

والاستدلال بقول إبليس: (رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي): مجمل يحتاج نوع بيان فإنه إن كان في معرض تقرير القدر الكوني النافذ، فهو استدلال صحيح فقد شاء الله، عز وجل، غوايته كونا، إذ اطلع بعلمه الأزلي الأول على فساد حاله فصار بذل الهدى له غير جار على سنن الحكمة فلا يليق به إلا قدر الغواية عدلا، ولو شاء الله، عز وجل، لقدر له الهداية فضلا، ولكنه حكم عليه بضدها ليظهر من آثار حكمة الرب، جل وعلا، ما يفوق مفسدة وقوعها.

وإن كان في معرض الاحتجاج بالقدر الكوني على مخالفة الأمر الشرعي فهو قول المشركية من الجبرية الذين قالوا: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ)، و: (لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ)، و: (أَنُطْعِمُ مَن لّوْ يَشَآءُ اللّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ): على حد الإنكار المؤدي إلى تعطيل أحكام الشرع، والإنكار عليهم أولى، والتوبيخ لحالهم أليق.

يقول ابن القيم، رحمه الله، في موضع تال:

"وأما القدرية الإبليسية والشركية فكثير منهم منسلخ عن الشرع، عدو لله ورسله، لا يقر بأمر ولا نهي، وتلك وراثة عن شيوخهم الذين قال الله فيهم: {سَيَقُولُ الّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتّىَ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتّبِعُونَ إِلاّ الظّنّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاّ تَخْرُصُونَ} [الأنعام: 148]، وقال تعالى: {وَقَالَ الّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نّحْنُ وَلآ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرّسُلِ إِلاّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النحل:35]، وقال تعالى: {وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ الرّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ} [الزخرف: 20]، وقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمّا رِزَقَكُمُ الله قَالَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِلّذِينَ آمَنُوَاْ أَنُطْعِمُ مَن لّوْ يَشَآءُ اللّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ} [يس: 47]، فهذه أربعة مواضع فى القرآن بين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير