تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

سبحانه فيها أن الاحتجاج بالقدر من فعل المشركين المكذبين للرسل". اهـ

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 10 - 2009, 02:49 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وقال مجاهد فى قوله: {وَكُلّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13]، قال: مكتوب فى عنقه شقي أَو سعيد". اهـ

ص87.

فالطائر هو: الطائر الكوني، فلا محيد عنه إذ قد قضي أزلا، وقد جاء على حد التوكيد بتقدير عامل محذوف: وألزمنا كل إنسان، على ما تقرر في باب الاشتغال، وفعل الإلزام مشعر بالإيجاب الكوني النافذ. فضلا عن إفراده بالذكر بعد عموم: (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا)، فعم بذكر تدبيره الكوني العام، ثم خص بذكر أمر السعادة والشقاوة مئنة من عظم شأنها، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فهي متعلق آمال المكلفين، فالنجاة في دار البقاء الأبدي: مطمح كل العقلاء من سائر الأمم.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وقال ابن عباس فى قوله: {وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً} [المائدة: 41] يقول: ومن يرد الله ضلالته لم تغن عنه شيئاً". اهـ

ص87.

فمن أراد، جل وعلا، فتنته كونا، فلن تملك له شيئا، فذلك عموم لا مخصص له، إذ فتن فئام من البشر كان مبدؤهم خيرا، وفتن فئام من البشر مع بلوغهم مراتب عليا في تحصيل مسائل العلم على حد الحفظ والاستظهار، بل قد صاروا فتنة لغيرهم، كما هو حال علماء السوء في كل الأعصار والأمصار، فهم كما وصفهم ابن القيم رحمه الله: "علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم ويدعونهم إلى النار بأفعالهم , فكلما قالت أقوالهم للناس: هلمّوا: قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم. فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له , فهم في الصورة أدلاء وفي الحقيقة قطّاع طرق". اهـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وذكر الطبري وغيره من حديث سويد بن سعدٍ عن سوار بن مصعب عن أبي حمزة عن مقسم عن ابن عباس: صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر، فحمد الله وأَثنى عليه، ثم بسط يده اليمنى فقال: "بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب من الله الرحمن الرحيم لأَهل الجنة بأَسمائهم، وأَسماءِ آبائهم وقبائلهم وعشائرهم، فجمل أولهم على آخرهم، لا ينقص منهم ولا يزاد فيهم، فرغ ربكم وقد يسلك بأهل السعادة طريق الشقاءِ حتى يقال لا ينقص منهم ولا يزاد فيهم. فرغ ربكم. وقد يسلك بأهل السعادة طريق الشقاء حتى يقال كأَنهم هم بل هم هم، ما أَشبههم بهم بل هم هم فيردهم ما سبق لهم من الله من السعادة، فيعمل بعمل أَهل الجنة فيدخلها قبل موته بفواق ناقة، وقد يسلك بأهل الشقاءِ طريق السعادة حتى يقال كأَنهم هم بل هم هم، ما أَشبههم بهم بل هم هم، فيردهم ما سبق لهم من الله، فيعمل بعمل أَهل النار فيدخلها ولو قبل موته بفواق ناقة، فصاحب الجنة مختوم له بعمل أَهل الجنة وإِن عمل عمل أَهل النار، وصاحب النار مختوم له بعمل أَهل النار وإِن عمل بعمل أَهل الجنة، ثم قال رسول الله: (الأَعمال بخواتيمها) ". اهـ

ص87.

والحديث متكلم في إسناده ففيه: سوار بن مصعب. قال في ترجمته في "ميزان الاعتدال":

"قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي وغيره: متروك. وقال أبو داود: ليس بثقة". اهـ

فالكتاب الأول قد جمل الأولين والآخرين، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم، وإن زيد ونقص في صحف الملائكة فالقضاء فيها معلق بالأسباب، فمن بذل أسباب الهداية بعد الضلال، كتب في صحفهم مهديا بعد أن كان ضالا غويا، ولكنه في الكتاب الأول: مهدي انتهاء، وإن كان ضالا ابتداء، فهدايته أمر قد أبرم على حد الجزم والنفاذ، مع كونه حال ضلاله: مسخوطا عليه، غير مرضي عن حاله، فلما بدل، تبدل السخط رضا، وذلك معنى مطرد منعكس، فلو بذل أسباب الضلال بعد الهداية كحال من انتكس مئنة من قدرة الرب، جل وعلا، على تصريف القلوب هداية وضلالا، لو بذلها، لكتب في صحفهم ضالا بعد أن كان مهديا، مع كونه في الكتاب الأول ضالا انتهاء، فالمعنى، كما تقدم، مطرد منعكس، على حد السنة الجارية: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، فمن غير من ضلال إلى هدى غير الله، عز وجل، حكمه من السخط إلى الرضا والعكس صحيح.

و: إِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ.

ثم قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "الأعمال بخواتيمها": فذلك قد صار جاريا مجرى الأمثال، فهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالأعمال بخواتيمها: صحة أو بطلانا، ثوابا أو عقابا، وذلك مما يستوجب سؤال الله، عز وجل، الهداية: ليل نهار، وسؤاله الثبات على طريقها، وسؤاله الموافاة عليها بأن يقبض السالك حال سيره على طريقها.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير