تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 10 - 2009, 06:18 م]ـ

قال ابن القيم رحمه الله:

"وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى: {إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6]، وفي قوله: {وَلَوْ شَآءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىَ} [الأنعام: 35]، وفي قوله: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً} [الأَنعام: 125]، وفي قوله: {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَن يَشَآءَ الله} [الأنعام: 111]، وفي قوله: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13]، وقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} [يونس: 99]، وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا فِى أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً} [يس: 8]، وقوله: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} [الكهف: 28]، ونحو هذا من القرآن، إِن رسول الله كان يحرص أَن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأَخبره الله أَنه لا يؤمن إِلا من سبق له من الله السعادة فى الذكر الأَول، ثم قال لنبيه: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَن لا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3]، ويقول: {إِن نّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ مّنَ السّمَآءِ آيَةً فَظَلّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4]، ثم قال: {مّا يَفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِن رّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} [فاطر: 2]، ويقول: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيءٌ} [آل عمران: 128] ". اهـ

ص87، 88.

فقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ):

فسواء عليهم الإنذار وعدمه فالهمزة: همزة الاستفهام التي تدخل على المصدر المؤول من: "أنذرتهم"، ولا يعني ذلك أن تبليغ الحجة الرسالية في حقهم عبث، بل هو وظيفة الرسل الأولى، فلا يؤمنون، لتعلق ذلك بعلم الله الأزلي، الذي لا يجوز الاحتجاج به، إذ لا يحتج عاقل بما لا يعلم، وإنما يتحرى الحق المؤيد بالبرهان النقلي والعقلي ليعمل به لا ليعارضه بالقدر الكوني النافذ، فإن لازم ذلك ألا يعمل صالح أو طالح، فقد عرفت مصائرهم ابتداء، فعلام العمل؟!، وهو السؤال الذي أجاب عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ"، فإيمانهم، كما تقدم، ممكن مقدور، والممكن المقدور يصح توجه التكليف به، فليس محالا في ذاته، ليمتنع التكليف به، وإنما صار محالا في هذا السياق لغيره، إذ سَبْق العلم الأزلي فيهم بعدم الإيمان، قد أحال وقوع الإيمان منهم كونا، وإن أمكن وقوعه شرعا، وليس كل ممكن يقع، فالله، عز وجل، على كل شيء قدير، وليس كل ما يقدر عليه يفعله، بل قد شاء عدم وقوع بعض ما يقدر عليه من الأفعال، فلا تقع، ولو كانت خيرا، إذ بفواتها تظهر حكم جليلة وتستجلب مصالح عظيمة للبشر كما تقدم ذلك مرارا.

فالختم على قلوبهم: كوني، لا شرعي، إذ لا يريد الله، عز وجل، من عباده المعصية شرعا وإن قضى بها عليهم كونا.

ومن قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى):

ولكنه لم يشأ فلم يجمعوا، إذ اقتضت مشيئته الكونية، ولا تكون المشيئة إلا كونية كما تقدم مرارا، اقتضت ضلالهم، فالله، عز وجل، أضلهم بسابق علمه الأزلي فيهم مع توجه خطاب الهدى إليهم على ألسنة الرسل عليهم السلام، فالتكليف الشرعي متوجه إليهم، وإن كان القدر الكوني نافذا فيهم، فهو، كما تقدم، غيب تالي لا يحتج به على إبطال خطاب التكليف الحالي، فواجب الوقت: الإيمان، وآلات الاستطاعة الشرعية صحيحة، فكيف يعتذر من ذلك حاله من الإمكان على سبق علم الله، عز وجل، فيه بأنه ضال، مع كونه لا يعلم الغيب ليحتج به، ولقائل أن يقول: بل قد سبق في علمه أنك مهتد فاهتد، فدعوى مقابل دعواك، فهذا من باب الإلزام العقلي لا أكثر، إذ لا يعلم الغيب في كلا الحالين إلا الله، عز وجل، فالمسألة جارية مجرى:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير