تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والأغلال في قوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا): أغلال كونية قيدت قلوبهم فلم تتحرك تحصيلا لأنوار الهداية الربانية.

والإغفال في قوله تعالى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا): متعد بالهمزة، فالباري، عز وجل، هو المنبه لقلوب من شاء من عباده فضلا فتستيقظ من سباتها وتنهض إلى تحصيل أسباب الشرع التي توجب لصاحبها الفلاح في كلا الدارين وهو في المقابل: المُغْفِل، اسم فاعل من "أغفل" بضم الميم وكسر الفاء، المغفل لقلوب من شاء من عباده عدلا فتنصرف قلوبهم عن تحصيل أسباب النجاة إلى الولوغ في أضدادها من أسباب الهلاك، وذلك جار على ما تقدم من استيفاء للقسمة العقلية فهي مئنة من نفاذ قدرنه الكونية في عباده، ووصفه، جل وعلا، بـ: "المنبه" إنما يجري مجرى الإخبار عن الرب تبارك وتعالى لا التسمية فإنها توقيفية أو الوصف إذ لم يأت بذلك نص بل ذلك جار، كما تقدم، مجرى الإخبار عنه باسم القديم واسم الأزلي فهو مئنة من أوليته المطلقة التي دل عليها اسمه الأول، فكذلك الإخبارعنه بوصف التنبيه مئنة من ثبوت وصف تصريف القلوب الثابت له في نحو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى طَاعَتِكَ".

ثم أنزل الله، عز وجل، على نبيه، كما يقول ابن عباس، رضي الله عنهما، آيات من قبيل:

(لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ): في معرض العتاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليترفق بنفسه إذ ما قضى الله، عز وجل، كائن، فلا يكلف نفسه ما لم يكلف به من هداية من قضى الله، عز وجل، بضلالهم، فحسبه أن يقوم بما أنيط باستطاعته الشرعية من العمل بأحكام الرسالة في نفسه، وتبليغها إلى غيره. على حد قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، وإنما يصح الاحتجاج بعذه الآية بعد أداء واجب البلاغ ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا، فلا يحتج بها على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدر الاستطاعة، كما أثر عن الصديق رضي الله عنه، فالتبليغ: درجات متفاوتة فليس الواجب منه على النبي المرسل كالواجب على العالم، وليس الواجب على العالم كالواجب على آحاد المؤمنين. وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليس الواجب منه على القوي كالواجب على الضعيف، وليس الواجب على الإمام القادر كالواجب على آحاد الرعية ممن لا يقدرون على إزالة المنكرات العامة، وليس أصحاب الولاية الخاصة كالآباء والأزواج كمن لا ولاية له ألبتة كالأبناء والإخوة فأولئك، إن أحسنوا القول والعمل، لا تتعدى ولايتهم: ولاية النصح والإرشاد على سبيل الترفق، ولكل مقام مقال، فللجلال مقال وللجمال مقال، ولا يصلح أحدهما في موضع الآخر.

و: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آَيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ): فنكرت الآية في معرض بيان قدرة الله، عز وجل، الكونية النافذة، نكرت تعظيما، فلو شاء الله، عز وجل، لآمنوا ولو لم تنزل عليهم آية تحمل الناظر فيها على القبول والإذعان، فكيف إذا نزلت آية كتلك الآية، فمرد الأمر في كلا الحالين إلى قدرته، عز وجل، الكونية، على تقليب القلوب من الضلال إلى الهدى، وإنزال الايات في معرض الانتصار لرسله عليهم السلام.

و: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ): فذلك جار، أيضا، مجرى استيفاء القسمة العقلية على حد المقابلة، فأي جنس من أجناس الرحمة، دلت عليه: "من" الجنسية البيانية، أي رحمة دينية أو دنيوية، إذ قد وردت منكرة في سياق شرط فذلك من العموم كما اطرد في الأصول، أي رحمة هذا وصفها شاء الرب، جل وعلا، إرسالها إلى عباده بمقتضى فضله وكرمه، فلا ممسك لها إذ لا راد لقضائه الكوني النافذ، وفي المقابل: أي رحمة حجبها الله، عز وجل، عن عباده، بمقتضى عدله فلا مرسل لها، ففي الآية من العمومات ما يقطع بانفراد رب البريات، جل وعلا، بتقدير المقدورات: كونية كانت أو شرعية، فلا ينازعه في ذلك إلا من بلغ حد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير