تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الطغيان فرام منازعة الرب، جل وعلا، قضاءه الكوني، وإنما القضاء الكوني مما يدافع بالأسباب المشروعة: دينية كانت أو دنيوية، فلا يدعي عاقل فضلا عن مؤمن استقلاله بتدبير أمره الكوني: إحياء أو إماتة، فرحا أو غما، فحاله شاهدة على دعواه بالبطلان إذ ليس له من أمر نفسه شيء إلا ما أقدره الله، عز وجل، عليه، على حد التفضل والامتنان، من تحصيل أسباب الشرع والكون النافعة.

أو رام منازعته فضاءه الشرعي فنصب نفسه بلسان الحال إلها شارعا للأحكام، فهو، كما تقدم في أكثر من موضع، لابس ثوبي الزور إذ قد تشبع بما ليس فيه من أوصاف الكمال من علم محيط وحكمة في التدبير وقدرة على التنفيذ ......... إلخ، بل حاله على الضد منها، فالنقصان وصف ملازم له، والافتقار إلى الأسباب حكم نافذ فيه، فكيف صحت متابعة من ذلك وصفه من النقصان، ومخالفة الرب العلي، جل وعلا، الذي له من أوصاف الكمال ما بلغ حد الإطلاق.

و: (ليس لك من الأمر شيء): فذلك أيضا: من العموم، إذ قد تسلط النفي على النكرة: "شيء"، و: "أل" في الأمر: ذهنية عهدية تنصرف إلى الأمر الكوني بالهداية والإضلال، إذ له صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولمن قام مقامه في بيان الشرع من العلماء الربانيين، لهم من الأمر الشرعي نصيب، فأعلى الأنصبة: أنصبة الرسل المصطفين عليهم السلام، فقد هيأهم، جل وعلا، بما جبلهم عليه من كريم الخلال وكمال الأوصاف، لحمل الرسالة التي بورودها تقام الحجة، وباتباعها تكون النجاة، وبعدهم من اصطفاهم الله، عز وجل، لحمل الشرع إلى سائر المكلفين من العلماء والمجاهدين، فالأولون فرسان ميادين العقول، والآخرون: فرسان ميادين الأبدان، فالدين: حجة ماضية تقطع كل حجة وسيف ماض يقطع كل عدو للرسالة، فتلك ثنائية: الكتاب الهادي والحديد الناصر، وقد سبقت الإشارة إليها في أكثر من موضع.

فلهم وليس لهم: لهم امتثال أحكام الرسالة في أنفسهم وبيانها لغيرهم وإزالة كل عائق يحول بينهم وبينها من سائر صور الطغيان والقهر الفكري والجسدي، فالحجة الرسالية، كما تقدم، رافعة للقهر الفكري الذي يمارسه الطواغيت المتنفذون باسم الدين من أحبار ورهبان وباباوات وشيوخ ليس لهم من رسم الفضيلة نصيب، أو لهم منها نصيب بل ربما بلغوا الذروة منها، ولكن السدنة من المنتفعين بحظوتهم عند الناس قد غلوا فيهم ليترأسوا على أتباعهم برسم الديانة المهيمنة على قلوب عموم المكلفين بمقتضى ما جبلوا عليه من الفقر الذاتي إلى إله يعبدونه على حد الرغبة والرهبة، فالقهر الفكري وسيف النجاة أو الهلكة المسلط على رقاب الأتباع، فلا سؤال عن حجة تطمئن بها النفس وينشرح لها الصدر إذ ذلك مما لا يصح للعوام الخوض فيه ولو كان أصل الديانة الذي يستوي فيه العام والخاص، القهر الفكري الذي يمارسه الرهبان على أتباعهم والمراجع على مقلديهم والشيوخ على مريديهم: جنس واحد.

والسيف رافع للقهر الجسدي الذي يمارسه الطواغيت من القياصرة والأكاسرة ومن على شاكلتهم إذ بظهور الحق زوال رياساتهم ومآكلهم، فالشرع ينزع منهم السلطان المطلق ليرده إلى الرب، جل وعلا، فيصير سلطانهم في الأرض على حد الابتلاء بالاستخلاف لا على حد الهيمنة المطلقة التي لا تخضع للنبوة، فهما متضادان بل متحادان قد وقع الشقاق والنزاع بينهما، فجرد أتباع النبوات، ممن أمروا بالجهاد، سيوفهم لنشر الملة الخاتمة حسما لهذا النزاع، كما فعل الصحب الكرام، رضي الله عنهم، الذين أدخلوا أمم الشرق المسلم في دين التوحيد بفضل الحميد، وقدرة المجيد تبارك وتعالى.

وللسيف أحكام يضيق المجال عن ذكرها إذ ليس سله أمرا ارتجاليا يوكل إلى آحاد الناس ليتولد من ذلك من المفاسد ما الله به عليم، والفقهاء قد استوفوا بيان أحكام جهاد الدفع والطلب فلا كلام بعد كلامهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير