تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وذلك مصداق قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ): فظهوره حاصل إما بكليهما في أزمنة العافية، وإما بالحجة في أزمنة الابتلاء، كزماننا الذي اشتد فيه البلاء وعظمت فيه المحنة، فلا كاشف لها إلا الله، عز وجل، بقدره الكوني إذا راجعنا ديننا وامتثلنا قدره الشرعي، فتلك سنة مطردة لا تجامل أو تحابي أحدا ولو كان من أتباع الأنبياء عليهم السلام.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[14 - 10 - 2009, 05:47 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وفي صحيح مسلم عن طاووس: أَدركت ناساً من أَصحاب رسول الله يقولون: كل شيء بقدر. وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس) ". اهـ

ص88.

فذلك من العموم المحفوظ الذي ذيل بذكر أحوال العبد الإرادية من العجز إذا لم يخلق الله، عز وجل، له الإرادة، وضده من الكيس إن قدر الله، عز وجل، له الفعل، فيخلق فيه الإرادة التي بها يكون الفعل، ويخلق فيه طاقته، ويخلق فيه عين الفعل.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وفي صحيح مسلم أيضاً عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كتب الله مقادير الخلق قبل أَن يخلق السماوات والأَرض بخمسين أَلف سنة وعرشه على الماءِ) ".

ص88.

فتلك الكتابة بخلاف العلم فهو أزلي أولي بأولية الباري، عز وجل، الأولية المطلقة، فلا مبدأ له، عز وجل، ولا مبدأ لصفاته إذ لم يكن مجردا عنها ثم عرضت له كما يعرض الوصف لآحاد المخلوقين كمالا بعد نقصان أو ضده، بل هو، عز وجل، الكامل ذاتا وأسماء وصفات وأفعالا أزلا وأبدا، ولا بعتري كمالَه النقصانُ أيا كان.

وفي الحديث دليل على تقدم خلق العرش، ولا يعني ذلك أنه أول المخلوقات مطلقا، بل ذلك منتهى علمنا، فلا نعلم ما قبل العرش من المخلوقات على قول المحققين من أهل السنة بـ: جواز التسلسل في الأزل، إذ لم يزل ربنا، جل وعلا، خالقا متصفا بالخلق وإن لم يكن ثم مخلوق، فهو خالق بالقوة قبل أن يخلق، خالق بالفعل بعد أن خلق. فأوصاف كماله أزلية لا تنفك عن ذاته القدسية، فأزلية الصفات من أزلية الذات، كما أن حقيقة الصفات فرع عن حقيقة الذات، فكما لا يدرك العقل حقيقة الذات وإن أدرك معناها، فكذلك الصفات يدرك معانيها ويجهل حقائقها التي استأثر الله، عز وجل، بعلمها.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وفي صحيحه أَيضاً عن أَبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأَحب إِلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. فاحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإِن أصابك شيء فلا تقل: لو أَني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاءَ الله فعل. فإِن لو تفتح عمل الشيطان".

ص88.

فالمؤمن القوي قد قام بقلبه من التوكل وسائر أعمال القلوب التي يتفاوت الناس فيها بتفاوت أعيانهم، قد قام بقلبه من تلك الأعمال الجليلات التي تتولد من التضلع بصحيح علوم النبوات الهاديات، قد قام بقلبه من تلك الأعمال التي لا تقوم بالظاهر قيام الأعمال بالجوارح بل هي أدق وأخفى وأعسر في التحصيل وإن كان لكل منهما قدر عظيم في الشريعة الجامعة بين الروح والبدن، قد قام بقلبه منها ما لم يقم بقلب المؤمن الضعيف، فقوي قلبه بمباشرة النعمة شكرا، والنقمة صبرا، ومعالجة الإيمان بالقدر الذي يولد في النفس شجاعة وكرما، فهما قرينان لا يفترقان ولا يجتمعان إلا في قلب قوي جريء، فندر أن يتصف أحد بأحدهما دون الآخر.

وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "وفي كل خير": احتراس لئلا ييأس أصحاب القلوب الضعيفة، فإن القدرة مناط التكليف، وما لا يدرك كله لا يترك كله، فلا بد أن يوجد الخير في المؤمن، وإن قل، فهو بتحقيق أصل الإيمان الباطن وأعمال الإسلام الظاهر، ناج وإن كان مخلطا، إما ابتداء بفضل من الله، عز وجل، ومنة، وإما انتهاء بعد أن يفتن في النار فتنة الذهب فتخلص نفسه من شوائبها خلوص الذهب من شوائبه.

ثم أرشد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى ما فيه صلاح الدين والدنيا:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير