تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فـ: "احرص على ما ينفعك": فعموم "ما": يشمل سائر المصالح الدينية والدنيوية المعتبرة فإن الشرائع الإلهية ما جاءت إلا لتحصيل أعظم قدر من المصالح المعتبرة لا المتوهمة، ودرء أعظم قدر من المفاسد المعتبرة لا المتوهمة أيضا. والعقل، وإن كان يدرك وجه المصالح والمفاسد إجمالا، إلا أنه لا يستقل بدركها على جهة التفصيل، فلا بد من بيان الرسالات لأحكام الباطن العلمية وأحكام الظاهر العملية، فالعقل يدرك أمر الغيب إجمالا: فيدرك بفطرته وحسه وقياس عقله وجود قوة إلهية عليا تدبر الشأن الكوني العام، وتدبر شأنه الفردي الخاص، ويدرك وجود حياة أخرى بعد هذه الحياة، فتلك، كما تقدم في مواضع سابقة، ضرورة شرعية وعقلية، فللعقل في إدراكها مدخل، وللفطرة في إدراكها مدخل، وللحس الذي يعالج الموتة الصغرى يوميا ويشاهد إعادة الخلق بعد إفنائه في جسده الذي تستهلك منه يوميا آلاف الخلايا فتستبدل الجديدة الفتية بالقديمة المسنة، وذلك يحدث أثناء النوم الذي تجري فيه عملية صيانة دورية للجسد، فيتم التخلص من التالف وإحلال السالم ولا يكون ذلك إلا في نوم الليل الذي جعله الله، عز وجل، لباسا، فموافقة السنة الكونية مظنة صلاح البدن، كما أن موافقة السنة الشرعية مظنة صلاح الروح، ويشاهد إحياء الأرض الموات بنزول المطر عليها، فكل تلك الأدلة شاهدة على جواز بل وجوب بعث الأجساد ونشورها يوم الحشر الآخر.

وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "فلا تقل": إرشاد إلى ما ينبغي على العبد فعله إذا فاته مراد كان يسعى في تحصيله، وذلك، أيضا، مما يفوت كثيرا منا في أمور يسيرة، فلسان الحال فيها مع يسرها، التسخط والتبرم، وربما تعدى ذلك إلى لسان المقال، فيفارق العبد مرتبة الصبر، ومرتبة الرضا من باب أولى، فيكون ذلك ذريعة إلى سقوطه من عين الرب، جل وعلا، إذ قد فارق الرضا عنه، فكيف يرضى الله، عز وجل، عنه؟!

فـ: "لو": موضع ذم في هذا السياق إذ قد انقضى الأمر، فسار اجتراره مظنة الجزع وقلة الصبر والطعن في حكمة الرب، جل وعلا، تصريحا أو تلميحا، بخلاف: "لو" في نحو قولك: لو آمنت لنجوت، فذلك تعليق وقوع مشروط مستقبل على وقوع شرطه، فليس فيه سخط على أمر ماض قد انقضى لتصير "لو" فيه: على حد "لو" الشيطانية.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 10 - 2009, 05:34 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وفى صحيحه أَيضاً عن أَبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ النّذْرَ لا يُقَدِّرُ لابن آدمَ شَيئاً لَمْ يَكُنِ اللهُ قَدَّرَهُ وَلَكِنِ النَّذْرُ يُوافِقُ الْقَدَرَ فَيُخْرِجُ ذَلِكَ مِنَ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ) ".

فالنذر على جهة المعاوضة: مكروه، إذ الله، عز وجل، ليس بفقير إلى العوض، فتصور التبادل بينه وبين المخلوق المربوب الفقير: تصور فاسد، إذ ليس المربوب ندا للرب، جل وعلا، ليعاوضه معاوضة: بيع وشراء، أو ثمن ومثمن، فالله، عز وجل، غني عن العالمين ذاتا بل مغنٍ لهم فعلا، كما تقرر في مواضع سابقة، فلا يفتقر إلى ما ينذره العبد، فغاية الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "فَيُخْرِجُ ذَلِكَ مِنَ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ"، فيوافق القدر إذ ليس سببا مؤثرا في استجلاب منفعة أو استدفاع مفسدة، فليس كالدعاء الذي يرد القضاء، إذ هو من القدر الذي يستدفع به القدر، فهو سبب شرعي تستدفع به النوازل الكونية، وتتبدل به الأقدار المسطورة في صحف الملائكة بما يوافق المسطور على حد الإبرام في اللوح المحفوظ.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وفي حديث جبرائيل وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الإِيمان قال: (الإِيمانُ أَنْ تُؤمنَ باللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) "

ص88.

فعرف الإيمان بأركانه، فهو جار مجرى تعريف الشيء بذكر أجزائه.

يقول ابن القيم رحمه الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير