تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فطبع كونا على الكفر فكانت المصلحة في قتله بوحي لا بمنام أو وهم!، فلا يكون ذلك إلا لنبي، وهو ما يرجح كون الخضر عليه السلام نبيا، إذ الوحي الإلهامي لا يكفي في قتل الغلام، وإلا جاز لكل صاحب كشف أن يقتل من شاء الصبيان استدفاعا لفساد منهم محتمل، وذلك ما احتج به ابن عباس، رضي الله عنهما، على نجدة الحروري في مسألة قتل أطفال المشركين فـ: "إنْ كُنْت تَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا عَلِمَهُ الْخَضِرُ مِنْ الْغُلَامِ فَاقْتُلْهُمْ وَإِلَّا فَلَا تَقْتُلْهُمْ".

فلا بد من وحي رحماني على رسم النبوة ليصح وقوع ذلك المقدور الكوني الذي ظاهره: الفساد، وباطنه: الصلاح، إذ قتله آنذاك بمنزلة دفع الصائل على الأديان فهو أشد فتكا من الصائل على الأبدان.

فلو عاش لفسد وأفسد فكان قتله راحة له وإراحة منه.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في "مجموع الفتاوى":

"وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْغُلَامِ كَانَ مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ عَلَى أَبَوَيْهِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ كَانَ يَفْتِنُهُمَا عَنْ دِينِهِمَا وَقَتْلُ الصِّبْيَانِ يَجُوزُ إذَا قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ بَلْ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِدَفْعِ الصَّوْلِ عَلَى الْأَمْوَالِ". اهـ

ولكن، كما تقدم، من يعلم من ابنه أنه سيكون سبب كفرانه ليجهز عليه قبل أن يضله!، فلو صح ذلك لزين الشيطان لكثير من الآباء قتل أولادهم لا سيما في الأعصار المتأخرة التي كثر فيها فساد وعقوق الأبناء، فهم من أهل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ).

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وفي مسند الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فِى ظُلْمَةٍ ثم ألقى عليهم من نوره وفى لفظ فجعلهم في وَاحِدَةٍ، فَأَخَذَ مِنْ نُورِهِ فَأَلْقَاهُ عَلَى تِلْكَ الظُّلْمَةِ، فَمَنْ أَصَابَهُ النُّورُ اهْتَدَى، ومَنْ أَخْطَأَهُ ضَلَّ، فَلِذَلِكَ أَقُولُ:جَفَّ القَلَمُ عَلَى عِلْم الله) ".

ص90.

ولا يظنن ظان، كما قال بعض المحققين من أهل العلم المعاصرين، لا يظنن أن ذلك كان خبط عشواء فمن صادفه النور نجا ومن صادفته الظلمة هلك لمجرد إرادة الرب، جل وعلا، ذلك، على حد النفاذ، فإن في ذلك طعنا في حكمة الرب، جل وعلا، بتغليب جانب المشيئة على جانب الحكمة، أو بتغليب وصف الجلال على وصف الجمال، على حد من علل النفي في قوله تعالى: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ): بنفاذ القدرة دون النظر إلى كمال الحكمة بهداية من يستحق الهداية فضلا، وغواية من يستحق الغواية عدلا، فلا يضع الهدى في محل فاسد، ولا يضع الغواية في محل صالح، وذلك مئنة من كمال حكمته، جل وعلا، إذ مقتضاها: وضع الشيء في موضعه الذي يلائمه، فللهدى محال قابلة له، وللضلال محال قابلة له، وبوضع كل في محله يظهر من آثار الحكمة الإلهية بوقوع التدافع بين الفريقين ما يظهر.

يقول ابن أبي العز رحمه الله:

"وهذا سؤال عن الحكمة التي أوجبت تقديم العدل على الفضل في بعض المحال، وهلا سوى بين العباد في الفضل؟ وهذا السؤال حاصله: لم يتفضل على هذا ولم يتفضل على الآخر؟ وقد تولى الله سبحانه الجواب عنه بقوله: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. وقوله: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. ولما سأله اليهود والنصارى عن تخصيص هذه الأمة بأجرين وإعطائهم هم أجرا أجرا، «قال: "هل ظلمتكم من حقكم شيئا؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء». وليس في الحكمة إطلاع كل فرد من أفراد الناس على كمال حكمته في عطائه ومنعه، بل إذا كشف الله عن بصيرة العبد، حتى أبصر جزءا يسيرا من حكمته في خلقه، وأمره وثوابه وعقابه، وتخصيصه وحرمانه، وتأمل أحوال محال ذلك - استدل بما علمه على ما لم يعلمه. ولما استشكل أعداؤه المشركون هذا التخصيص، قالوا: {أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير