تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وذكر فيه عن ابن مسعود مرفوعاً: (إِنَّمَا هُمَا اثْنَتَان: الْهَدْى وَالْكَلام فَأَحْسَنُ الْكَلامِ كَلامُ اللهِ، وَأَحْسَنُ الْهَدْى هَدْى مُحَمَّد، وَشَرُّ الأُمُورِ مُحَدَثَاتُهَا، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتِ قَرِيب وَإِنَّ الشَّقِى مَنْ شَقِى فِى بَطْن أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ) ". اهـ

ص91.

فالكلام: هو المسلك العلمي، والهدي: هو المسلك العملي، فخير الكلام: كلام الله، عز وجل، فقد جاء بأصدق الأخبار وأعدل الأحكام على حد الإجمال، وأحسن الهدي: هو هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو المبين لما أجمل في التنزيل، فذلك لازم الشهادتين: شهادة التوحيد للمرسِل، جل وعلا، وشهادة التوحيد للرسول المرسَل صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

وهدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد عم كل العلوم والأعمال والسياسات والأخلاق والأحوال، فسيرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، على حد الإعجاز، حتى صح عدها من دلائل النبوة، بل لو لم يكن للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المعجزات إلا سيرته لكفته دليلا دامغا على صدق رسالته، كما ذكر ذلك ابن حزم، رحمه الله، فإن سيرته ليست بسيرة كذاب، كما أن وجهه ليس بوجه كذاب، كما قال ابن سلام رضي الله عنه، ولم يطرد من سنة الباري، عز وجل، تأييد الكذاب على حد الدوام بالبراهين النقلية والعقلية الساطعة كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا.

وفي مقابل هذه الطريقة المثلى الذي استندت إلى النبوات: علما بالإلهيات والغيبيات، وعملا بالحكميات، بعدها جاء التنبيه على الضد:

وشر الأمور محدثاتها: وذلك منصرف بقرينة السياق إلى: الأمور الشرعية، فـ: "أل" في "الأمور": عهدية ذهنية، فليست المحدث في أمر الدنيا: محبوبا أو مكروها لذاته، بل هو على حد المباح ما لم تكن عينه ضارة، فإن كان على حد الإباحة لم يتعلق به مدح أو ذم شرعي لذاته، إذ لا يجوز التعبد بالمباح ابتداء، فلا معنى للقربة فيه، وإنما يتعلق به الثواب أو العقاب لغيره، فقد يتذرع به إلى خير، فيصير مندوبا أو واجبا، وقد يتذرع به إلى شر فيصير مكروها أو محرما، فتلك القسمة العقلية للأحكام التكليفية الشرعية، وأمر الدنيا، وإن وجب على العباد سياسته بالدين المنزل، إلا أنه لا يدخل، كما تقدم، في حد ما اعتبره الشرع: إيجابا أو ندبا، أو ألغاه: تحريما أو كراهة، فهو على حد الإرسال الذي لم يشهد له الشرع بالاعتبار أو الإلغاء، فينظر إلى وجه المصلحة والمفسدة فيه، بمقتضى كليات الشريعة الجامعة، فإن ترجحت المصلحة صار على حد الاعتبار عند جمع من العلماء، وإن ترجحت المفسدة صار على حد الإلغاء، وذلك، كما تقدم في أكثر من موضع، خلاصة علم النبوات، فإن التمييز بين المصلحة المحضة والمفسدة المحضة أمر يسير على كثير من أصحاب العقول الراجحة، ولكن التمييز بينهما حال الشوب والاختلاط، فيعتبر أحدهما ويلغى الآخر: أمر قد ورثه الأنبياء عليهم السلام لحملة تركاتهم العلمية المستمدة من الوحي المعصوم.

وذلك بخلاف المحدث في أمر الدين فإنه لا يكون إلا على حد الذم، إذ لسان حال محدثه: الاستدراك على الشرع.

ثم أطنب بكلية لا مخصص لها بقرينة السياق:

وإن كل بدعة ضلالة: فذلك عموم محفوظ لا مخصص له، فكل حادث في الديانة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضلالة سواء أورد النص عليه، كبدعة الخوارج الذين بشر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاتلهم بعظم الأجر، أم لم يرد كسائر البدع العلمية والعملية التي ظهرت بعد انقضاء القرن الأول، خير طباق هذه الأمة، الذين كانوا سيفا يزع كل مارق من الديانة.

فكل بدعة دينية: ضلالة وإن تكلف لها المتأولون ما تكلفوا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير