تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أكان متشابها جزئيا كالمجمل وغريب اللفظ، أو كليا، الواجب حمله على محكمه، فيرد المجمل إلى مبينه ويرد الغريب إلى مفسره، ويجمع بينهما على حد التعاضد لا التناقض الذي يتوهمه الناظر لقلة علم أو سوء طوية.

وقد ذيل الحديث بالعموم: "فما من شيء إلا وهو يخلق معه" بعد الخصوص فذلك آكد في تقرير معنى الكتابة الذي ذكرت أفراد منه على حد التخصيص: الشقاوة أو السعادة والخُلُق والخَلْق والأجل، فذلك من صور الإطناب بالعموم بعد الخصوص كما قرر البلاغيون في مبحث الإطناب والإيجاز، والغرض منه: التذييل بالتوكيد العام على ما تقدم ذكره الخاص، إذ هو داخل في هذا العموم تضمنا، فبعد ذكره باللفظ الخاص الدال عليه: مطابقة، جاء ذكره باللفظ العام الذي دل عليه: تضمنا، فاجتمعت له الدلالتان: دلالة الخاص القطعي عليه مطابقة، فتلك الدلالة الأعلى، ودلالة العام الظني عليه فتلك: الدلالة الأدنى، فيكون السياق جاريا على حد التدرج من الأعلى إلى الأدنى: من الخاص القطعي إلى العام الظني، وهو مع ذلك لا يخلو من معنى التوكيد، إذ التكرار في حد ذاته: توكيد، وإن كان بالأضعف دلالة، فضلا عن كون ذلك العموم الذي ذيل به الحديث: عموما مؤكدا هو الآخر بـ:

القصر على حد النفي والاستثناء فهو أقوى أساليب القصر كما تقرر في أكثر من موضع.

و دخول: "من" التي تفيد التنصيص على عموم النفي.

فالنكرة: "شيء" قد وردت في سياق نفي أفاد عموم الكائنات الحادثة، فكلها مخلوقة مقدرة في الرحم، وقد أكد ذلك العموم: دخول: "من" كما قرر أهل المعاني، فازداد ذلك العموم قوة إلى قوته، فهو عموم محفوظ لا مخصص له، إذ كل ما قد قدره الله، عز وجل، على الجنين من الأقدار الكونية الجارية على حد النفاذ، قد كتب ولما ينزل بعد إلى دار التكليف، وذلك مما يحمل الناظر فيه إلى سؤال الباري، عز وجل، الثبات، إن كان محسنا، والمغفرة والتوبة، إن كان مسيئا، إذ المكتوب في صحف الملائكة من ذلك: إنما كتب على حد التعليق، لا الإبرام، فهو يقبل المدافعة بالأسباب الشرعية التي سنها الله، عز وجل، فيدافع قدر المعصية بقدر الاستغفار والتوبة، فيصح الاحتجاج بالقدر حينئذ على المعصية، إذ قد أقلع عنها وتاب، فصارت في حقه: مصيبة، والمصائب مما يصح الاحتجاج بالقدر على وقوعها. وهو بتلك المدافعة لن يخرج عن القدر الكوني المبرم، الذي سطره الله، عز وجل، في اللوح المحفوظ، فهو على حد القطع الجازم فلا ناسخ له ولا مبدل، على حد قوله: (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).

فالقدر المكتوب في صحف الملائكة على حد التعليق هو: متعلق ما يباشره العبد من أسباب الكون والشرع على حد التكليف، فقد سطر في تلك الصحف التي بأيدي الملائكة الحفظة أن زيدا لو وصل رحمه، فسيزيد عمره إلى السبعين، وإن قطعه فسيعيش إلى الستين، فإن باشر زيد سبب الزيادة، وهو مما خوطب به ديانة، زِيد في عمره، وإن لم يباشره تقصيرا وتقاعسا عن القيام به، فلن يزاد في عمره، فذلك تعليق في صحف الملائكة يقابله إبرام ونفاذ في صحف اللوح، إذ قد علم الرب، جل وعلا، منه أزلا، أنه سيصل رحمه فكتب عمره في اللوح المحفوظ سبعين قولا واحدا، فلا تتعلق مباشرة الأسباب بالمقضي أزلا في اللوح، إلا على حد إخراج ذلك المكتوب النافذ قطعا من حيز الغيب العدمي إلى حيز الشهادة الوجودي ليصح تعلق المدح أو الذم الشرعي به.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وَالْأَجَلُ أَجَلَانِ "أَجَلٌ مُطْلَقٌ" يَعْلَمُهُ اللَّهُ "وَأَجَلٌ مُقَيَّدٌ" وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ} فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمَلَكَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ أَجَلًا وَقَالَ: "إنْ وَصَلَ رَحِمَهُ زِدْتُهُ كَذَا وَكَذَا" وَالْمَلَكُ لَا يَعْلَمُ أَيَزْدَادُ أَمْ لَا؛ لَكِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ لَا يَتَقَدَّمُ وَلَا يَتَأَخَّرُ"

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير