تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد جمع قوله تعالى: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ): بين النوعين:

فقول: (يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ): هو القدر المعلق الذي يقبل المحو والإثبات. وقيل هو: القدر الشرعي بالأحكام فتقبل الرفع والإثبات، ولو جمع بين المعنيين لعدم وقوع التعارض بينهما لكان له وجه، إذ عموم: "ما" على حد التعليق بالمشيئة، ولا تكون إلا نفاذة، يلائمه عموم الرفع والإزالة لسائر الأحكام التي تقبل ذلك، وهي: الأحكام الكونية المعلقة، والأحكام الشرعية المنزلة.

وقوله: (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ): هو القدر المبرم الذي يقع على حد النفاذ فلا مبدل له ولا مؤخر.

قال عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: هما كتابان: كتابٌ سوى أم الكتاب، يمحو منه ما يشاء ويثبتُ، وأم الكتاب الذي لا يُغيّر منه شيء.

وقال البغوي، رحمه الله، في تفسير هذه الآية:

"واختلفوا في معنى الآية:

فقال سعيد بن جبير، وقتادة: يمحو الله ما يشاء من الشرائع والفرائض فينسخه ويبدله، ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه، (فتلك هي الأحكام الشرعية المنزلة التي تقبل النسخ على حد ما قرره أهل الأصول).

وقال ابن عباس: يمحو الله ما يشاء ويثبت إلا الرزق والأجل والسعادة والشقاوة.

وروينا عن حذيفة بن أُسَيْد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يدخُلُ المَلَكُ على النُّطْفَةِ بعدما تستقرُّ في الرحم بأربعين، أو خمس وأربعين ليلة، فيقول: يا رب أَشَقِي أم سعيد؟ فَيُكْتَبَانِ، فيقول: أي ربِّ أذكرٌ أم أنثى؟ فَيُكْتَبَانِ، ويُكْتَبُ عملُه وأثرُه وأجلُه ورزقه، ثم تطوى الصحف فلا يُزاد فيها ولا يُنْقَصُ".

وعن عمر وابن مسعود - رضي الله عنهما - أنهما قالا: يمحو السعادةَ والشقاوةَ أيضاً، ويمحو الرِزق والأجلَ ويثبتُ ما يشاء.

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يطوف بالبيت وهو يبكي ويقول: اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت عليَّ الشقاوة فامحني، وأثبتني في أهل السعادة والمغفرة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب. ومثله عن ابن مسعود، (فتلك هي الأحكام الكونية المعلقة التي تقبل التغيير بمباشرة أسباب الكون والشرع).

وقيل: معنى الآية: إنّ الحفظة يكتبون جميع أعمال بني آدم وأقوالهم، فيمحو الله من ديوان الحفظة ما ليس فيه ثوابٌ ولا عقاب، مثل قوله: أكلت، شربت، دخلت، خرجت، ونحوها من كلام هو صادق فيه، ويثبت ما فيه ثواب وعقاب، هذا قول الضحاك والكلبي.

وعن سعيد بن جبير قال: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ} من ذنوب العباد فيغفرها ويثبت ما يشاء فلا يغفرها". اهـ بتصرف.

والخلق في قوله: "فما من شيء إلا وهو يخلق معه ": محمول على التقدير، على وزان ما تقدم في بيان معنى الخلق في قوله تعالى: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، إذ لا يتصور حمله على معنى الإيجاد، فكثير من المقدورات الكونية التي تقع للجنين إنما تقع بعد خروجه إلى فضاء الدنيا الواسع.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 10 - 2009, 06:06 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وذكر ابن وهب عن ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أَبي تميم الجيشاني عن أبي ذر أن المني إِذا مكث فى الرحم أربعين ليلة أَتاه ملك النفوس فعرج به إِلى الرب تعالى فى راحته فيقول: يا رب عبدك ذكر أم أُنثى؟ فيقضى الله ما هو قاض. أَشقي أَم سعيد؟ فيكتب ما هو لاق بين عينية. قال أَبو تميم: وقرأ أَبو ذر من فاتحة سورة التغابن خمس آيات". اهـ

ص91، 92.

ففي هذا الحديث بيان أن الكتابة إنما تكون بين عيني المولود، وفي حديث حذيفة بن أسيد، رضي الله عنه، مرفوعا: "ويكتب عمله وأثره ورزقه، ثم تطوى الصحف": بيان أنها تكون في الصحف، والجمع بينهما يكون بحمل أمر الكتابة على التكرار، كما ذكر ذلك ابن رجب، رحمه الله، في "جامع العلوم والحكم".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير