تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَالتَّوَكُّلِ وَالْإِحْسَانِ إلَى الْخَلْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ". اهـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وفي صحيح مسلم: عن حذيفة بن أُسيد يبلغ به النبى صلى الله عليه وسلم قال: "يدخُلُ الْمَلَكُ على النطفة بعد ما تستقر فى الرحم بأَربعين أَو خمس وأَربعين ليلة فيقول: يا رب، أشقى أَم سعيد؟ فيكتبان، فيقول: يا رب أَذكر أَم أُنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله وأَثره ورزقه، ثم تطوى الصحف ولا يزاد فيها ولا ينقص". اهـ

ص92.

فقوله: فلا يزاد فيها ولا ينقص: محمول على ما تقدم من كون القضاء معلقا فيها، ومبرما في اللوح المحفوظ، فلا يزاد فيها ولا ينقص على حد التعليق، فزيد، إن وصل فعمره سبعين، وإن قطع فعمره ستين، فلا زيادة عن ذلك إذ قد استوفيت أجزاء القسمة العقلية: فعلا أو تركا، فلا يزاد فيه ولا ينقص، وإن لم يكن مبرما، بخلاف القضاء المسطور في اللوح المحفوظ، فلا يزاد فيه ولا ينقص، أيضا، ولكن على حد الإبرام والنفاذ الجازم فلا يحتمل قسمة عقلية تثبت أو تنفي، بل هو كائن قولا واحدا، بالزيادة أو النقصان.

ولهذا الحديث رواية أخرى عند مسلم، رحمه الله، بلفظ: "إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ثُمَّ قَالَ يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ أَجَلُهُ فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ رِزْقُهُ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُص".

يقول النووي رحمه الله: "قَالَ الْقَاضِي وَغَيْره: لَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِره، وَلَا يَصِحّ حَمْله عَلَى ظَاهِره، بَلْ الْمُرَاد بِتَصْوِيرِهَا وَخَلْق سَمْعهَا إِلَى آخِره أَنَّهُ يَكْتُب ذَلِكَ، ثُمَّ يَفْعَلهُ فِي وَقْت آخَر؛ لِأَنَّ التَّصْوِير عَقِب الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى غَيْر مَوْجُود فِي الْعَادَة، وَإِنَّمَا يَقَع فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَة، وَهِيَ مُدَّة الْمُضْغَة كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان مِنْ سُلَالَة مِنْ طِين ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة فِي قَرَار مَكِين ثُمَّ خَلْقنَا النُّطْفَة عَلَقَة فَخَلَقْنَا الْعَلَقَة مُضْغَة فَخَلَقْنَا الْمُضْغَة عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَام لَحْمًا} ثُمَّ يَكُون لِلْمَلَكِ فِيهِ تَصْوِير آخَر، وَهُوَ وَقْت نَفْخ الرُّوح عَقِب الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَة حِين يَكْمُل لَهُ أَرْبَعَة أَشْهُر". اهـ

فلا إشكال في ذلك إذ المراد بالتصوير في هذا السياق تقديره وكتابته لا وقوعه، فلا يقع التصوير إلا في الأربعين الثالثة: طور المضغة، وباكتماله في آخرها ينفخ فيه الروح، فيكون نفخ الروح الذي به تسري الحياة في جسد الجنين فيتحرك بعد أن جامدا ساكنا، يكون هذا النفخ بعد مائة وعشرين يوما من الحمل.

وأشار ابن رجب، رحمه الله، إلى وجه آخر بقوله:

"وظاهر هذا الحديث يدلُّ على أنَّ تصويرَ الجنين وخلقَ سمعه وبصره وجلده ولحمه وعظامه يكون في أوَّل الأربعين الثانية، فيلزمُ من ذلك أنَّ يكون في الأربعين الثانية لحماً وعظاماً.

وقد تأوَّل بعضهم ذلك على أنَّ المَلَك يقسِمُ النُّطفةَ إذا صارت علقةً إلى

أجزاء، فيجعلُ بعضَها للجلد، وبعضها للحم، وبعضها للعظام، فيقدِّر ذلك كلَّه قبل وجوده. (وذلك الوجه هو الذي أشار إليه النووي، رحمه الله، في كلامه السابق، الذي نقله عن القاضي عياض رحمه الله)، وهذا خلافُ ظاهر الحديث، بل ظاهرُه أنَّه يصوِّرها ويخلُق هذه الأجزاء كلها، وقد يكونُ خلقُ ذلك بتصويره وتقسيمه قبل وُجودِ اللحم والعظام، وقد يكون هذا في بعض الأجِنَّةِ دُونَ بعض"

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير