تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عمر: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} قال: أمر السنة إلى السنة إلا الشقاء والسعادة، فإنه في كتاب الله لا يبدّل، ولا يغير. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب قال: إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى". اهـ

وقال القرطبي رحمه الله:

"قال المهدوي: ومعنى هذا القول أمر الله عز وجل الملائكة بما يكون في ذلك العام ولم يزل ذلك في علمه عز وجل.

وقال عكرمة: هي ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد.

وروى عثمان بن المغيرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى أن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى) ". اهـ

وذلك تأويل: قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ)

ففيها يفرق كل أمر حكيم، وهو المأمور الكوني المحكم، فـ: "فعيل" على حد اسم المفعول فذلك من تبادل الصيغ، فالمبالغة في: "حكيم" مئنة من تمام إحكامه الواقع على حد النفاذ، فلا يتبدل ولا يتغير، بل هو ماض مبرم وفق ما علمه الرب، جل وعلا، أزلا، فكتبه على حد الإبرام في اللوح المحفوظ، فنسخ في تلك الليلة من اللوح المحفوظ إلى صحف الملائكة.

وكل مأمور كائن فهو من أمر كوني صادر، فعلة صدور الكائنات الحادثة: كلمات الرب جل وعلا التكوينيات النافذة، وكلماته الكونيات من صفاته الفعلية المتعلقة بمشيئته، فتلك علة صدور هذا العالم، فبصفاته الفاعلة كان هذا الكون البديع على غير مثال سابق، فأمر بالتكوين فكان على حد التعقيب، كما في قوله تعالى: (كُنْ فَيَكُونُ)، فليست علة صدور هذا العالم ذات مجردة عن الأوصاف هي وجود مطلق لا وجود له في الأعيان، وإنما محض وهم تتصوره الأذهان!، كما قرر ذلك الفلاسفة القائلون بقدم مادة هذا العالم، إذ جعلوه معلولا لعلة هي: الذات الإلهية على حد الاقتران فلا ينفك عنها، فلزمهم القول بقدمه، إذ هو فرع عنها، وهي قديمة أزلية، وللفرع حكم أصله بداهة!، وهو ما التزموه بل قرروه ونافحوا عنه.

وما ذلك إلا من شؤم نفي الصفات الربانية، إذ لم يكن لكثير منهم علم بالنبوات التي قررت هذا الباب الجليل تقريرا مفصلا، إذ هو، عند التحقيق، أشرف أبواب الدين، فبقدر العلم بصفات الرب، جل وعلا، ذاتا وفعلا، جلالا وجمالا، بقدر العلم بها يكون رسوخ القدم في الديانة، فإن العلم بها على حد ما نزل به الوحي على قلوب الرسل عليهم السلام: يصحح التصور العلمي الأول، فيصدر عنه الحكم العملي صحيحا موافقا لمراد الرب، عز وجل، الشرعي، في كل شأن، فيصح الحكم التكليفي، ويصح الحكم الوجداني، ويصح الحكم السياسي ........ إلخ، فكل خلل في أحكام البشر، مرده عند التأمل والنظر، إلى خلل علمي سابق إذ لم يتصور المربوب ربه، جل وعلا، تصورا علميا صحيحا، ليصح تألهه، بل دخل الفساد على الأصل العلمي فسرى إلى الفرع العملي لزوما، وبقدر الخلل تعطيلا أو تأويلا أو تكييفا أو تمثيلا يكون الخلل في المقالة، ولذلك كانت مقالة الفلاسفة من أفحش المقالات وأظهرها بطلانا، إذ ليس لهم من آثار الأنبياء عليهم السلام نصيب، كما تقدم آنفا، فمقالتهم هي عين التعطيل، إذ الوجود المطلق بشرط الإطلاق هو: عين العدم في الخارج وإن فرضه الذهن، فليس كل تصور أو فرض عقلي يصح وجوده في عالم الشهادة الخارجي، فنفي الصفات جملة وتفصيلا، ومنها صفة الكلام: كونيا كان أو شرعيا ذريعة إلى نفي القدر الكوني النافذ والأمر الشرعي الحاكم، فإن كلمات الرب جل وعلا: كلمات كونية بها تقع المقدورات الحادثة في عالم الشهادة، فهي علة صدورها، كما تقدم، وكلمات شرعية بها يكون الابتلاء بالتكليف الشرعي، فالأول: من لوازم ربوبيته الخالقة، والثاني: من لوازم ألوهيته الحاكمة، فإذا نفى المعطل هذه الصفة خصوصا، وبقية الصفات عموما، من علم محيط وقدرة نافذة ............. إلخ، لزمه نفي ربوبية وألوهية الباري،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير