تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكتابة القلم قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة: كتابة سابقة في الإمام المبين، على حد ما ذيلت به الآية: (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ): فذلك عموم محفوظ لا مخصص له، فكل الكلمات الكونيات والشرعيات قد أثبتت في اللوح المحفوظ، فالكلمات الشرعيات قد سطرت فيه على حد قوله تعالى: (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ)، والكلمات الكونيات قد سطرت فيه على حد قوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).

والتقدير لأمر السعادة والشقاوة وأخذ الميثاق:

على حد قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ): سواء قيل بأن الأخذ كان بلسان المقال وهو قول جمهور العلماء، أو بلسان الحال، فتلك هي الفطرة التوحيدية الأولى التي فُطِرَ الناس عليها مصداق قوله تعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) فلا يلزم من ذلك الإيجاد على حد الكمال، كما قرر ذلك بعض المحققين من أهل العلم كابن تيمية وابن القيم وابن أبي العز رحمهم الله. وجمع بعض أهل العلم بين القولين فأثبت الميثاق الأول الذي يبقى أثره مجملا في القلب، فهو المشار إليه في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانه"، فلم يقل: أو يسلمانه، إذ هو مسلم بمقتضى الميثاق الأول ولازمه من الفطرة التوحيدية الأولى، فلو ترك لتوجه بمقتضاها إلى عبادة إله واحد، ولكنه يفتقر للرسالات المذكرة بتلك الفطرة، المبينة لمجملها بما تضمنته من أخبار إلهية وأحكام شرعية، فتثبت الحجة على البشر بالرسالة لا بالميثاق الأول، فإن الميثاق الأول لا ينفع إلا من مات قبل جريان قلم التكليف عليه، فهو من الموحدين، وإن كان من أبناء المشركين، إذ لم يخاطب بميثاق الرسالة الخاتمة المؤكد للميثاق الأول، فهو جار على حد التكليف الشرعي: تصديقا بأخبار الرسالة وعملا بأحكامها، ولا تكليف لغير البالغ كما قرر أهل الأصول.

والفطرة الأولى لا تكفي لحصول النجاة لمن جرى عليه قلم التكليف حتى يجددها بالتزام ميثاق الرسالة، فإن المحل قابل لها على حد التكليف الشرعي، إذ الفطرة الأولى في أصلها: نقية لم تشبها شائبة شرك، وإنما عرض لها ذلك بمؤثر خارجي حرفها عن التوحيد، فصار المكلف واحدا من ثلاثة:

إما مسلم لم تنحرف فطرته فتأتي الرسالة مؤكدة لها مفصلة لمجملها مقررة لأحكامها.

وإما كافر قد عرض لفطرته ما حرفها، فتأتي الرسالة لتقوم عوجها، فلا يكفي الميثاق الأول حينئذ، إذ قد طرأ عليه ما أفسده، فلزم تجديد التذكير بخبر الرسالة.

وإما رجل من أهل الفترة فهو على حد قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)، فذلك مخصص لقوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ)، فلم يأته النذير فهو من أهل الفترة المبتلين في الدار الآخرة، لإظهار سابق علم الله، عز وجل، فيهم بالسعادة فضلا أو الشقاوة عدلا، فلا يظلم ربك أحدا، فظهرت حكمة الرب، جل وعلا، في إرسال الرسل عليهم السلام على حد التفضل والامتنان على البشر، تذكيرا بالميثاق الأول، وتفصيلا لمجمل التوحيد في قلوبهم، وتقويما لما طرأ عليها من اعوجاج وانحراف.

والتقدير العمري:

على حد ما تقدم في أحاديث كتابة الكلمات وتصوير الأجساد ونفخ الأرواح فيها في الأرحام.

والتقدير السنوي:

وسبقت الإشارة إليه تفصيلا.

والتقدير اليومي:

فهو تأويل ما تقدم من التقادير الكونية المجملة، إذ به تخرج إلى عالم الشهادة مفصلة على حد قوله تعالى: (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ).

قال البغوي رحمه الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير