تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجماع إصلاح ذلك أن تشغل فكرك في باب العلوم والتصورات بمعرفة ما يلزمك من التوحيد وحقوقه , وفي الموت وما بعده إلى دخول الجنة والنار وفي آفات الأعمال وطرق التحرز منها وفي باب الإرادات والعزوم أن تشغل نفسك بإرادة ما ينفعك إرادته وطرح إرادة ما يضرك إرادته وعند العارفين أن تمنّى الخيانة واشتغال الفكر والقلب بها أضر على القلب من نفس الخيانة ولا سيما إذا فرغ قلبه منها بعد مباشرتها فإن تمنيها يشغل القلب بها ويملؤه منها ويجعلها همه ومراده. وأنت تجد في الشاهد أن الملك من البشر إذا كان في بعض حاشيته وخدمه من هو متمن لخيانته مشغول القلب والفكر بها ممتلئ منها , وهو مع ذلك في خدمته وقضاء أشغاله فإذا اطّلع على سره وقصده مقته غاية المقت وأبغضه , وقابله بما يستحقّه وكان أبغض إليه من رجل بعيد عنه جنى بعض الجنايات وقلبه وسره مع الملك غير منطو على تمنّي الخيانة ومحبتها والحرص عليها فالأوّل يتركها عجزا واشتغالا بما هو فيه وقلبه ممتلئ بها والثاني يفعلها وقلبه كاره لها ليس فيه إضمار الخيانة ولا الإصرار عليها , فهذا أحسن حالا وأسلم عاقبة من الأول.

وبالجملة فالقلب لا يخلو قط من الفكر إما في واجب آخرته ومصالحها وإما في مصالح دنياه ومعاشه وإما في الوساوس والأماني الباطلة والمقدرات المفروضة وقد تقدم أن النفس مثلها كمثل رحى تدور بما يلقى فيها فإن ألقيت فيها حبا دارت به , وإن ألقيت فيها زجاجا وحصى وبعرا دارت به والله سبحانه هو قيّم تلك الرحى ومالكها ومصرّفها وقد أقام لها ملكا يلقي فيها ما ينفعها فتدور به , وشيطانا يلقي فيها ما يضرها فتدور به فالملك يلم به مرة والشيطان يلم بها مرة فالحب الذي يلقيه الحقيرة الخسيسة بالضد من ذلك فكل نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها وهذا معنى قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِه} أي على ما يشاكله ويناسبه فهو يعمل على طريقته التي تناسب أخلاقه وطبيعته وكل إنسان يجري على طريقته ومذهبه وعاداته التي ألفها وجبل عليها فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النعم بالمعاصي والإعراض عن المنعم والمؤمن يعمل بما يشاكله من شكر النعم ومحبته والثناء عليه والتودد إليه والحياء منه والمراقبة له وتعظيمه وإجلاله". اهـ

وحراسة الخواطر من أعظم الأعمال نفعا وأشقها على النفوس إذ بمجرد غفلة الطاحن ولو لحظات يلقي الشيطان في رحاه مواد فاسدة من خطرات أو أماني فإن لم يتدارك نفسه كثرت تلك المواد في رحاه، والحكم للأغلب، فمن غلب على عقله الخواطر الملكية صح تصوره إجمالا فتولد عنه عمل نافع، ومن غلب على عقله الخواطر الشيطانية فسد تصوره فتولد عنه عمل فاسد. والمعصوم من عصمه الله عز وجل.

فمهما حرص الإنسان على تصحيح خواطره فأقام على قلبه وجوارحه الجند، فلا بد من غفلة ولو يسيرة يتسلل فيها العدو إلى حصونه فإن سارع بطرده زال أثره، وإن طالت الغفلة أثخن العدو في أرضه، فعاد بالغنائم والأسلاب وربما حدثته نفسه بالبقاء.

ولذلك كان قول المحققين من أهل العلم من لدن السلف إلى يوم الناس هذا: أن الإيمان قول وعمل، قول قلبي ولساني هو اللبنة الأولى فيصح التصور بتصديق علوم الرسالات الخبرية، وعمل قلبي ولساني وبدني يصح به العمل الذي هو اللبنة الثانية بموافقة أحكام الرسالات العملية. فلا غنى عن الرسالات في قول أو عمل، في عقد باطن أو حكم ظاهر.

اللهم أصلح فساد القلوب بالعلم النافع الذي به يصح التصور العلمي وأصلح فساد الجوارح بالأعمال الصالحة التي بها يصح الحكم العملي.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 10 - 2009, 02:43 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"والمقصود أن تقدير الشقاوة والسعادة والخلق والرزق سبق خروج العبد إلى دار الدنيا، فأسكنه الجنة أو النار وهو في بطن أمه. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ" الحديث". اهـ

ص96.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير