تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مراد الشرع الذي جاء بتحصيل المصالح الكلية ولو بإهدار المصالح الجزئية، فإن إهدار الجزئي مغتفر في مقابل تحصيل الكلي، فقلب الأمر إلى إهدار الكلي تحصيلا للجزئي من الفساد الشرعي والعقلي والعادي بمكان، ولكنها الأهواء عندما تتحكم في المصائر بما قدر الله، عز وجل، لأصحابها من الهيمنة والتسلط الكوني، ولو على خلاف الأمر الشرعي ابتلاء أو عقوبة لأمم الأرض، بترأس الطواغيت الذين يقهرون أتباعهم بضرب رقابهم وجلد أبشارهم ومصادرة أموالهم.

والمعصوم من عصمه الله: على حد الجناس الاشتقاقي فذلك آكد في تقرير المعنى، فلا عصمة بالتزام الأمر الشرعي إلا فرعا عن أمر كوني يسدد صاحبه بتيسير أسباب العصمة الشرعية له، فلن يطيع طائع إلا بقدر الله، عز وجل، الكوني، فيقوم به القدر الشرعي على حد امتثال الأمر، والقدر الكوني على حد إيجاد المأمور، ولن يعصي عاص إلا بقدر الله، عز وجل، الكوني، فيتخلف في حقه القدر الشرعي بمقتضى الأمر الكوني، فكلاهما، كما تقدم في أكثر من موضع، لا يخرج عن حد القضاء الكوني المبرم، وإن خرج عن حد القضاء الشرعي الملزم.

وإلى طرف من ذلك أشار اللالكائي، رحمه الله، في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" بقوله:

"من مذهب أهل السنة والجماعة أن الله عز وجل مريدٌ لجميع أعمال العباد خيرها وشرها، لم يؤمن أحد به إلا بمشيئته، ولم يكفر أحد إلا بمشيئته ولو شاء لجعل الناس أمة واحدة: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [سورة يونس، الآية: 99]، ولو شاء أن لا يُعصى ما خلق إبليس، فكُفر الكافرين وإيمان المؤمنين وإلحاد الملحدين وتوحيد الموحدين وطاعة المطيعين ومعصية العاصين كلها بقضائه سبحانه وتعالى وقدره وإرادته ومشيئته، أراد كل ذلك وشاءه وقضاه، ويرضى الإيمان والطاعة ويسخط الكفر والمعصية ولا يرضاها، قال الله عز وجل: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [سورة الزمر، الآية: 7]) ". اهـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وفي سنن ابن ماجه عن عدي بن حاتم أنه قال: أَتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يَا عدِي أَسْلِمْ تَسْلَم" قلت: وما الإسلام؟ قال: (تَشْهَدُ أَنَّ لا إلَهَ إِلا اللهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللهِ، وَتُؤْمِنُ بِالأَقْدَارِ كُلِّهَا خَيْرِها وَشَرِّهَا وَحُلْوَهَا وَمُرِّهَا) ".

ص96.

وهو حديث ضعيف. قال البوصيري، رحمه الله، في "مصباح الزجاجة": هذا إسناد ضعيف لاتفاقهم على ضعف عبد الأعلى، وله شاهد من حديث جابر رواه الترمذي في جامعه.

وقد أطنب في معرض توكيد ذلك الإيمان، فأكد بالمؤكد اللفظي: "كلها"، ثم ذيل بشطريها: الخير والشر، ولازم كل منهما فـ: الحلاوة لازم الخير، والمرارة لازم الشر المقدور فليس الشر في القدر فهو من وصف الرب، جل وعلا، وهو على حد الكمال المطلق، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، وذكر اللازمين بعد ملزوميهما جار على حد اللف والنشر المرتب فـ: الحلاوة في مقابل الخير، والمرارة في مقابل الشر.

ولا ينفي ذلك ما ذكر في حديث جبريل، عليه السلام، إذ ذكر بقية الأركان فيه من باب الزيادة التي لا تنافي المزيد عليه في هذا الحديث، فالإيمان بالملائكة والكتب واليوم الآخر، لا ينافي الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والقدر خيره وشره.

فأدلة الباب متعاضدة غير متعارضة، فيطلب البيان من جميعها، فما ذكر في سياق مجملا قد جاء في سياق آخر مفصلا، وما أضمر في سياق قد أظهر في آخر.

فالإيمان بالأقدار الشرعية يكون بالامتثال، والإيمان بالأقدار الكونية يكون بالصبر والاحتساب.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 10 - 2009, 02:45 م]ـ

ومن قوله تعالى:

(وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ):

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير