تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قابلة قد صحت تصوراتها الباطنة فصحت لزوما أعمالها الظاهرة، فالنبوة تفصل مجمل فطرة الخير التوحيدية وتنفي خبث فطرة الأخلاق الجبلية من شح وهلع .......... إلخ، وتصحح ما انحرف من العلوم والأعمال، فلا غنى عنها، كما تقدم مرارا، لتصحيح المفاهيم التي تحصل بها السعادة في المعاش والنجاة في المعاد.

فليس عطاء الكون مئنة من موافقة الشرع، بل قد يعطي الله، عز وجل، من لا يحبه من عطاء الدنيا العاجل على حد العدل بتوفيته عمله في دار الابتلاء فلا خلاق له في دار الجزاء كما في قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ)، أو الاستدراج على حد قوله تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ).

وقد يعطي النبي استئلافا للقلوب، بل قد اطرد ذلك من سيرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسيرة الخلفاء من بعده، بل هو أحد مصارف الزكاة، التي يفزع إليها في أزمنة القلة والاستضعاف، فإذا قويت شوكة الجماعة المسلمة جاز للإمام تعليقه لا إبطاله، كما أثر عن الفاروق، رضي الله عنه، فهو على حد الحكم الدائر مع علته، فيدور معها وجودا وعدما.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وفي الصحيحين من حديث عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم: كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيءِ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ وَخَلقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَكَتَبَ فِى الذَكْرِ كُلَّ شَيءٍ". اهـ

ص97.

فهو الأول، جل وعلا، أولية ذات وأسماء وصفات وأفعال مطلقة، فله الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الجارية على سنن الحكمة البالغة، له ذلك أزلا وأبدا فلم يكن، جل وعلا، معطلا عن اسم أو وصف أو فعل، ثم أحدثه، فطرأ عليه كمال كان عنه عريا، بل كماله: كمال أوصاف أزلي تصدر عنه أفعاله، فلا يكون فيها ما في أفعال البشر من نقص يزول بالتكرار على حد الترقي من النقصان إلى الكمال، فلا يتصور ذلك في حق من أبدع هذا الكون على هذا النحو المتقن، فآياته الكونية شاهدة بإحكام صنعته، فلا بد أن يكون صانعه قد بلغ من وصف العلم المحيط والحكمة البالغة والقدرة النافذة حد الكمال، فعن تلك الصفات الكاملة صدرت الكلمات التكوينية النافذة فكان الكون على هذه الصورة الباهرة.

وقد تقدم عرشه الكائنات في هذا العلم المشهود، فهو أول خلق نعلمه، ولا ندري، لقصور عقولنا وخلو الباب من دليل سمعي إذ لا يعتد في هذا الباب الغيبي إلا بدليل نقلي صحيح الإسناد، لا ندري أسبق العرش خلق أم لم يسبقه، إذ لم يكن الرب، جل وعلا، معطلا عن وصف الخلق قبل خلقه، فلم يزل خالقا فاعلا، فيجوز عقلا أن يخلق قبل العرش خلقا لا نعلمه، إذ الوصف الذي يكون به الخلق لازم له أزلا، فالأمر جار على حد الممكن العقلي، فلا يثبت ولا ينفى لعدم ورود النص المثبت أو النافي بل يبقى على حد الجواز العقلي، ولذلك كان قول المحققين في مسألة: تسلسل المفعولات في الأزل: أنه من الممكن، فلا يجب كالتسلسل في المفعولات في الأبد لورود النص على ذلك في نحو قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا)، فذلك أمر يتجدد بنضوج الجلود إلى ما لا نهاية في حق المخلدين في العذاب أبدا، وتجدد نعيم الجنة واستمراره، ولا يمتنع كالتسلسل في المؤثرين، إذ الأسباب كلها راجعة إلى مسبِّب واحد عنه صدرت صدور المخلوق من خالقه، فبكلماته الكونية النافذة تخلق الأسباب الفاعلة ويظهر أثرها في الحوادث الكائنة في عالم الشهادة.

وقد كتب في الذكر كل شيء، ففي اللوح المحفوظ، كما تقدم مرارا، قد سطرت كل الأحداث الكونية على حد الإبرام والنفاذ فلا مبدل لكلمات ربك الكونية.

يقول ابن القيم رحمه الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير