تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"وفي الصحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشجّ عبد القيس: "إِنَّ فِيك لَخُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ" قال: يا رسول الله خلقين تخلقت بهما، أم جبلت عليهما؟ قال: "بَلْ جُبِلْتَ عَلَيْهِمَا" قال: الْحمد لله الَّذى جبلني على خلقين يحبهما اللهُ". اهـ

ص97.

فذلك مما جبل عليه الأشج، رضي الله عنه، بمقتضى الفطرة التكوينية التي اختص بها، كما جبل الصديق، رضي الله عنه، على الرحمة، التي فطر عليها كونا، وكما جبل عمر، رضي الله عنه، على الشدة، وكما جبل عثمان، رضي الله عنه، على الحلم والكرم، وكما جبل علي، رضي الله عنه، على الشجاعة والبأس ........ إلخ، وعلى هذا الوجه يصح إطلاق لفظ الجبر في حق الرب، جل وعلا، فهو الجبار الذي جبر عباده على ما قدره أزلا من الأخلاق حسنة كانت أو ردية، وإليه أشار ابن تيمية، رحمه الله، بقوله:

"قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القرظي فِي اسْمِ اللَّهِ "الْجَبَّارِ" قَالَ: هُوَ الَّذِي جَبَرَ الْعِبَادَ عَلَى مَا أَرَادَ وَكَذَلِكَ يُنْقَلُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ وَبَارِيَ الْمَسْمُوكَاتِ جَبَّارَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا وَالْجَبْرُ مِنْ اللَّهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ الْقَهْرُ وَالْقُدْرَةُ وَأَنَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَشَاءُ وَيَجْبُرُ عَلَى ذَلِكَ وَيَقْهَرُهُمْ عَلَيْهِ فَلَيْسَ كَالْمَخْلُوقِ الْعَاجِزِ الَّذِي يَشَاءُ مَا لَا يَكُونُ وَيَكُونُ مَا لَا يَشَاءُ وَمِنْ جَبْرِهِ وَقَهْرِهِ وَقُدْرَتِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْعِبَادَ مُرِيدِينَ لِمَا يَشَاءُ مِنْهُمْ إمَّا مُخْتَارِينَ لَهُ طَوْعًا وَإِمَّا مُرِيدِينَ لَهُ مَعَ كَرَاهَتِهِمْ لَهُ وَيَجْعَلُهُمْ فَاعِلِينَ لَهُ وَهَذَا الْجَبْرُ الَّذِي هُوَ قَهْرُهُ بِقُدْرَتِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَيْسَ هُوَ كَإِجْبَارِ غَيْرِهِ وَإِكْرَاهِهِ مِنْ وُجُوهٍ:

مِنْهَا أَنَّ مَا سِوَاهُ عَاجِزٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَجْعَلَ الْعِبَادَ مُرِيدِينَ لِمَا يَشَاؤُهُ وَلَا فَاعِلِينَ لَهُ. وَمِنْهَا: أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ يُجْبِرُ الْغَيْرَ وَيُكْرِهُهُ إكْرَاهًا يَكُونُ ظَالِمًا بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى عَادِلٌ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ. وَمِنْهَا: أَنَّ غَيْرَهُ قَدْ يَكُونُ جَاهِلًا أَوْ سَفِيهًا لَا يَعْلَمُ مَا يَفْعَلُهُ وَمَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا يَقْصِدُ حِكْمَةً تَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ مَا خَلَقَهُ وَأَمَرَ بِهِ لَهُ فِيهِ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ صَادِرَةٌ مِنْ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ". اهـ

ولكل رزقه الكوني من الأديان والأخلاق، على وزان رزقه الكوني الذي به تقوم الأبدان، فمن الناس من وسع الله، عز وجل، عليه في الديانة، فله منها الوصف المتين، ومن الناس من وسع الله، عز وجل، في الأخلاق، فله منه الوصف القويم، ومنهم من وسع الله، عز وجل، عليه في رزق البدن فله منه الوصف الكثير العميم، فذلك فضل الرب الغني يؤتيه من يشاء، ومنهم من قدر عليه رزقه الديني، فديانته على حد الرقة على وزان قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)، و: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) ومنهم من ضيق عليه رزقه الأخلاقي، فهو سريع الغضب، حاد الطبع، سيئ الخلق، لا يأمن الناس بوائقه، فإيمانه قد انتقص من كماله الواجب، بنص حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، مرفوعا وفيه: "والذي نفسي بيده، لا يسلم عَبْدٌّ حتى يُسلِمَ قلبُه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جارُه بوائقه"، إذ النفي قد تسلط على القدر الواجب المنجي من الوعيد، فلا يكفر المرء بإيذاء المسلمين إلا إن كان ذلك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير