تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والعقاب به.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 10 - 2009, 02:49 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وفي الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله خَلَقَ آدَمَ مِن قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأرضِ، فجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ، جَاءَ مِنْهُم الأَحْمَرُ وَالأَبْيَض وَالأسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْل والْحزْن وَالْخَبِيث وَالطَّيِّب". قال الترمذى: حديث حسن صحيح". اهـ

ص98، 99.

فذلك مئنة من عموم قدرته، عز وجل، على خلقه، إذ أخذ من جميع الأرض طرفا، وذلك أمر يدل على تمكن القابض من المقبوض والمقبوض منه، فالله، عز وجل، قادر على هذا الكون، قدرة الرب على المربوب، فهو الذي قدره أزلا، وأوجده فجاء على حد ما قدره لم يتخلف منه شيء، لكمال صنعته، عز وجل، وإتقانها، فالكون مبدع مفطور على غير مثال سابق، فمن أوجد ابتداء من العدم قادر على الإعادة انتهاء من باب أولى، وذلك أمر مدرك في عالم الشهادة، إذ الصانع لا يجد من المشقة في الإعادة ما يجده في الابتكار، وهو وجه قياسي عقلي اطرد في آي التنزيل في معرض الاستدلال على النشأة الآخرة بالنشأة الأولى، على حد قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ)، فهو قياس أولوي ورد النص به، فثبوته للعبد على جهة المدح المطلق مئنة من ثبوته للرب، جل وعلا، من باب أولى، على ما اطرد مرارا في باب القياس العقلي الجائز في باب الإلهيات.

وفيه أيضا مئنة من عموم ربوبيته، جل وعلا، من جهة تنوع صنعته: خَلقا وخُلقا، فمن الخَلق: الأحمر والأبيض والأسود، ومن الخُلق: السهل اللين والحزن الصلب، ومنهم من قد جمع بين الوصفين، فهو سهل على أولياء الرب، جل وعلا، حزن على أعدائه، على حد وصف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بـ: الضحوك فذلك من أوصاف جماله ولا تكون إلا لأهل الإيمان، القتَّال، فذلك من أوصاف جلاله ولا تكون إلا لأهل الكفران في مقام الانتصار للملة بالسيف والسنان، بخلاف مقام الانتصار لها بالحجة والبرهان، فذلك مما تستعمل فيه أخلاق الجمال مع عدم إعطاء الدنية في الدين، كما يقع كثيرا في هذه الأزمان من المتخاذلين المنهزمين نفسيا أمام طغيان الأمم التي استطالت على أمة الإسلام، وهو أمر لم يسلم منه أحد تقريبا إلا من رحم الرب، جل وعلا، فلكل منا منه نصيب، وإن قل، لما يعتري قلوبنا من شبهات وشهوات تضعف قوى القلب الفاعلة، فينكص على عقبيه عند أي مواجهة، فينكص البدن تبعا له، إذ هو جندي يأتمر بأمره، فمتى ثبت القائد ثبت الجند، ومتى نكص نكصوا، فلا تجدي قوى الأبدان والآلات شيئا إن كانت قلوب أصحابها بين أجنحة الطير.

وعلى حد وصف الصحب الكرام، رضي الله عنهم الذين حاربوا المرتدين، في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، وقوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)، فتلك آية عمومها محفوظ، قد شمل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والصحب الكرام رضي الله عنهم.

قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: "قد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا القول أن الناس أصناف وطبقات وأنهم إلى تفاوت في الطباع والأخلاق: فمنهم الخير الفاضل والذي ينتفع بصحبته ومنهم الرديء الناقص الذي يتضرر بقربه وعشرته. كما أن الأرض مختلفة الأجزاء والتراب: فمنها العذاة الطيبة التي يطيب نباتها ويزكو ومنها السباخ الخبيثة التي يضيع بذرها ويبيد زرعها وما بين ذلك على حسب ما يوجد منها حسا ويشاهد عيانا". اهـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير