تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[03 - 11 - 2009, 05:25 م]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله: "وفي الترمذي عن ابن عباس قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: "يا غُلامُ، أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؟ احْفَظ الله يَحْفَظْكَ، احْفَظ الله تَجِدهُ أَمامَكَ، تَعَرَّف إِلَى الله فِى الرَّخاءِ يَعْرِفَكَ فِى الشِّدَّةِ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأل الله، وَإذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله، رُفِعَت الأَقْلامُ وَجَفَّت الصُحُف، لَوْ جَهِدت الأُمَّة عَلَى أَنْ يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفعُوكَ إِلا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لك ولو جهدت الأمة على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عَلَيْكَ، وَاعْلَم أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَج مَعَ الكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً". وفي بعض روايات الحديث فى غير الترمذي: (فَلَوْ أَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَعْطُوكَ شَيئاً لَمْ يُعْطِهِ اللهِ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَمْنَعُوكَ شَيئاً قَدَّرَهُ اللهُ لَكَ مَا اسْتَطاعُوا، فَاعْبُدِ اللهَ مَعَ الصَّبْر عَلَى الْيَقِينِ) ". اهـ

ص99، 100.

فصدر صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخطاب بالعرض بـ: "ألا": تشويقا وشحذا لذهن المخاطب، وهون الأمر بإيراد جمع القلة: "كلمات": فذلك مما يسهل على المخاطب حفظها والعمل بها، فهي كلمات يسيرات المبنى عظيمات المعنى.

ثم جاء البيان لما أجمل ابتداء:

احفظ الله يحفظك: على ما تقرر من الإيجاز بحذف الشرط الذي جزم به جواب الطلب انتقالا إلى محط الفائدة فذلك مما يحمل المخاطب على سرعة المبادرة إلى امتثال الشرط رجاء حصول المشروط.

والجزاء من جنس العمل، فبين الأمر والمضارع المجزوم في جوابه: جناس اشتقاقي، إذ كلاهما من مادة الحفظ قد اشتق، فاحفظ الله في أمره الشرعي: يحفظك بأمره الكوني من المهلكات للبدن والمال والولد، ويحفظك في أمر دينك، وذلك أعظم وأجل من الحفظ في أمر الدنيا، وإن كان كلاهما مرادا، فيحفظك من الشبهات العلمية المضللة والشهوات العملية المفسدة، كما قرر ذلك ابن رجب، رحمه الله، في "جامع العلوم والحكم"، فإطلاق فعل الجواب: "يحفظك" مئنة من العموم على ما اطرد من كلام البلاغيين في أغراض حذف المعمول، فحفظه، عز وجل، للعبد قد عم، كما تقدم، سائر أموره.

وفي سياق الحديث: "تَعَرَّف إِلَى الله فِى الرَّخاءِ يَعْرِفَكَ فِى الشِّدَّةِ": فذلك من طباق الإيجاب بين: "الرخاء"، و: "الشدة" الذي تكتمل به الصورة في ذهن المخاطب فتعرف إلى الله زمن السعة بالتزام أمره الشرعي يعرفك في زمن الشدة إذا وقع الابتلاء الكوني، فإن الرباط على ثغور الطريقة الشرعية مظنة النجاة من المهلكات الكونية.

ثم أرشده على حد الشرط المصدر بـ: "إذا" الدالة على كثرة وقوع شرطها، إذ ذلك مما ينبغي أن يمتثله المكلف في كل وقت: فـ: إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأل الله، وَإذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله، فعطف الاستعانة على السؤال وهو عبادة، على وزان العطف في قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، فهو أحد صوره، إذ صدر بالمراد لذاته من العبادة ثم ثنى بالمراد لغيره من الاستعانة التي لا تكون عبادة إلا بها، فإن وكل العبد إلى نفسه هلك بانتقاض عرى همته عقوبة له أن أظهر الاستغناء، ولو بلسان الحال، عن ربه، عز وجل، فهو مربوب له، مفتقر إليه، في كل شأنه الديني والدنيوي، فعطف الاستعانة على السؤال من باب عطف السبب على مسبَّبه، فالاستعانة بالله، عز وجل، كما تقدم، أصل كل حركة صالحة قلبية كانت أو لفظية أو فعلية، على ما اطرد من شمول معنى الإيمان للأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فلن يؤمن مؤمن إلا إذا أعانه الله، عز وجل، على ذلك، فصحح له الآلات التي تقبل الطاعة وضدها فصار من أصحاب الاستطاعة الشرعية التي يتعلق بها التكليف، ثم امتن عليه بشغل المحل بالطاعة، فخلقها له، فتحققت له الاستطاعة الكونية، التي لا تقبل الضدين، لاشتغالها بأحدهما، فمن اشتغل بالطاعة صرف عن المعصية فذلك من فضله، جل وعلا، ومن اشتغل بالمعصية صرف عن الطاعة فذلك من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير