تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عدله تبارك وتعالى.

ثم قال عليه الصلاة والسلام:

"رُفِعَت الأَقْلامُ وَجَفَّت الصُحُف": فجف قلم التقدير الأزلي، وإن لم تجف أقلام الكتبة بما يقع من تأويل المقدور الأزلي في عالم الشهادة، فيصير كائنا بعد أن لم يكن، فيشمله علم الإحاطة الثاني، فيستحق فاعله: الثواب فضلا أو العقاب عدلا، إذ قد فعله باختياره دون جبر أو إكراه، مع كونه جاريا على حد ما قدر الله، عز وجل، بإرادته الكونية، أزلا، فلا تخرج إرادة العبد عن إرادة الرب الكونية، وإن خرجت عن إرادته الشرعية لحكمة ربانية اقتضت تخلف ما يحب الله، عز وجل، من الإيمان والطاعة، وحصول ما يكره من الكفر والمعصية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا.

فجف القلم بعلم التقدير الأزلي: العلم الأول، ولم يجف بعلم الإحاطة: العلم الثاني، فللعلم، كما تقدم في مواضع سابقة، تعلق بالمعلوم وهو معدوم لما يصر كائنا بعد، وتعلق به وهو موجود قد كان في عالم الشهادة على وفق ما قدر في عالم الغيب، فالتعلق الأول: لا يتجدد ليقتضي تجدد وتكرار الكتابة، فقلمه قد جف، والتعلق الثاني: يتجدد بوقوع المقدورات الكونية من أفعال العباد الاختيارية، فاقتضى ذلك تجدد وتكرار الكتابة، فقلم الحفظة سيال يحصي ما يصدر من العباد من أقوال وأفعال، لتتحقق حكمة الرب، جل وعلا، في إقامة الحجة عليهم بما فعلوه باختيارهم، فله وجود يصح تعلق الثواب والعقاب به، بخلاف ما لو أقيمت الحجة عليهم بالعلم الأول ولما يأت تأويله في عالم الشهادة، فلهم أن يعترضوا، إذ لا تقام الحجة بأمر عدمي، ولو كان مآله الوقوع، وإنما تقام الحجة بأمر وجودي في عالم الشهادة يصح تعلق الثواب والعقاب به كما تقدم.

وجفاف القلم الأول كناية عن نفاذ المكتوب به فهو كائن لا محالة، والكناية، على ما اطرد من كلام البلاغيين لا تمنع إرادة المعنى الحقيقي، بخلاف المجاز، ولا مانع من نقل أو عقل يمنع من إرادة الحقيقة في هذا السياق، فإن إثبات القلم وإثبات المداد وإثبات الصحف في هذا السياق: إثبات معان كلية مطلقة، فلا يمنع تصورها من وقوع الشركة فيها بين الأقلام والصحف المشهودة من جهة، والأقلام والصحف المغيبة من جهة أخرى، ولا يلزم من ذلك قياس الغائب من القلم الكوني وصحف اللوح على الشاهد من الأقلام والصحف التي تدركها الحواس في عالم الشهادة، إذ المعنى الكلي، كما تقرر في أكثر من موضع، لا وجود له خارج الذهن، ليلزم من إثباته: تشبيه أو تمثيل، وهذا أمر مطرد في كل الغيبيات سواء أكانت إلهيات من أسماء وصفات أم سمعيات من أحوال الدار الآخرة وما جرى قبل خلق العالم المشهود من خلق العرش وجريان القلم الأول بمقادير الخلق ........... إلخ.

ثم جاء الإرشاد بقوله عليه الصلاة والسلام:

"لَوْ جَهِدت الأُمَّة عَلَى أَنْ يَنفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفعُوكَ إِلا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله لك ولو جهدت الأمة على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عَلَيْكَ".

فذلك من العلم المغيب عن العبد، إذ لا يعلم ما يقع له من نفع أو ضر إلا حين وقوعه، فالأولى به أن يشتغل بما يعلم من حفظ الحدود والشرائع التي صدر الحديث بالأمر بحفظها: "احْفَظ الله يَحْفَظْكَ" فذلك العلم الموجود الذي أمر بتحصيله وامتثال أمره ونهيه، بخلاف العلم المفقود مما لم يصر له وجود بعد، فذلك مما لا يكلف العبد بتحصيله لعجزه عن ذلك، والتكليف إنما يكون بمقدور، بل إن بحثه وتنقيره عن ذلك العلم المفقود قد يكون سببا في هلاكه إذا عارض المنقول بالمعقول فإن القدر سر لا ينبغي لأحد من الخلق كشفه، ولا يجوز لأحد أن يحتج به في معرض التقصير، فالأولى، كما تقدم، تفريغ الهمم وبذل الجهد في تحصيل أسباب الشرع.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 11 - 2009, 06:02 م]ـ

ومما يتعلق بالأقلام:

ما سبقت الإشارة إليه من كلام ابن أبي العز، رحمه الله، إذ قسم الأقلام إلى أربعة أنواع:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير