تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهي على قوله ابن كثير، رحمه الله، الأول: جنسية استغراقية لعموم الأقلام، وقد يرجح هذا القول عمومه، إذ العموم مما يثري السياق بتوارد معان كثيرة على مبان قليلة، وذلك عين البلاغة التي اختص الكتاب العزيز بأرفع مراتبها، فضلا عن كونه لا يعارض القول الأول، بل يشمله ويشمل غيره، فيكون القول الأول بالنسبة إليه جاريا مجرى: التعريف للعام بذكر فرد من أفراده، وهو أشرف أفراده: القلم الأول، فلا يخصصه، وإنما ذكر ذلك الفرد تحديدا تنويها بشرفه، فذلك مظنة الإقسام به، فشرف المقسم به في كلا الحالين متعين، سواء أفرد بالذكر على حد التخصيص بأشرف الأقلام، أو ورد ذكره على حد التعميم فجنس القلم من الأجناس الشريفة إذ به تسطر المقادير الكونية والشرعية وفي عالم الشهادة تسطر به الآيات الشرعية والعلوم الكونية، وشرف الشيء من شرف وظيفته، ولا أشرف من وظيفة العلم إن كان نافعا، وهو في نفسه يتفاضل، إذ شرف العلم من شرف المعلوم، فأشرف أجناس العلوم الدينية: الإلهيات لتعلقها بذات وأسماء وأوصاف وأفعال رب البريات، عز وجل، وأشرف أجناس العلوم الدنيوية: طب الأبدان الذي أفرد له ابن القيم، قلما بعينه، كما سيأتي إن شاء الله).

ثم ذكر رحمه الله:

القلم الثاني: قلم الوحي وهو الذي يكتب به وحي الله إلى أنبيائه ورسله وأصحاب هذا القلم هم الحكام على العالم والعالم خدم لهم وإليهم الحل والعقد والأقلام كلها خدم لأقلامهم وقد رفع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام فهذه الأقلام هي التي تكتب ما يوحيه الله تبارك وتعالى من الأمور التي يدبر بها أمر العالم العلوي والسفلي.

(فذلك قلم تشريعي حاكم به تسطر الأحكام الجارية على سنن العدل، وهو قلم قد تعطل في سائر الأصقاع، إلا ما رحم الرب جل وعلا، بتغييب وإقصاء الوحي عن سدة الحكم، وتولية العقل بأحكامه المتفاوتة وأقيسته المتضاربة، فوسد الأمر إلى من ليس له بأهل فكان ما كان من فساد أمر الخلق كما هو كائن في عالم الشهادة المنظور).

ثم ذكر رحمه الله:

القلم الثالث: قلم التوقيع عن الله ورسوله وهو قلم الفقهاء والمفتين وهذا القلم أيضا حاكم غير محكوم عليه فإليه التحاكم في الدماء والأموال والفروج والحقوق وأصحابه مخبرون عن الله بحكمه الذي حكم به بين عباده وأصحابه حكام وملوك على أرباب الأقلام وأقلام العالم خدم لهذا القلم.

(وله ألف ابن القيم، رحمه الله، "إعلام الموقعين عن رب العالمين"، فالمفتي موقع عن رب العالمين، توقيعه يعم أثره سلبا أو إيجابا جماعات بل أمما بأكملها تسير وفق فتاواه تقليدا له سواء أحسنت الظن به أو كان لها هوى في فتواه إن لم تكن على حد الشرع الحاكم، على حد ما يرى في فتاوى علماء الجماهير الذين يحتالون على الشرع لإرضاء العامة، أو علماء السلاطين الذين يحتالون على الشرع لإرضاء الخاصة، فهم في كلا الحالين قد التمسوا رضا المخلوق ولو بسخط الخالق، عز وجل، فسخط عليهم، جل وعلا، وأسخط عليهم من التمسوا رضاه جزاء وفاقا وعقوبة معجلة بفوات مقصودهم من رضا الخلق بل وقوع ضده من سخطهم، فهو قلم، كما يقول ابن القيم، رحمه الله، حاكم مخدوم، واليوم قد صار: خادما محكوما بأهواء البشر فبه تزيف الفتاوى تحصيلا لمنافع متبادلة بين الموقِّع والموقَّع له).

ثم ذكر رحمه الله:

القلم الرابع: قلم طب الأبدان التي تحفظ بها صحتها الموجودة وترد إليها صحتها المفقودة وتدفع به عنها آفاتها وعوارضها المضادة لصحتها وهذا القلم أنفع الأقلام بعد قلم طب الأديان وحاجة الناس إلى أهله تلتحق بالضرورة.

(فقلم لحفظ الأديان، وقلم لحفظ الأبدان، إذ هما الضرورتان الأولى والثانية من الضرورات الخمس التي عليها تدور أحكام الشرع: الدين والنفس والعرض والمال والعقل، وذلك القلم قد اعتراه، أيضا، من الفساد ما اعتراه، فصار أصحابه تجارا حسابا، فبه تزيف التقارير والتحاليل وتسطر قائمة من الأدوية لا يحتاج إليها المريض، لتبادل المنفعة على حد ما يقع من التواطؤ بين الأطباء والصيادلة، أو الأطباء وشركات الأدوية التي تمتهن بيع الدواء فلا اعتبار اليوم لأي قيم دينية أو حتى أخلاقية في عالم المال والأعمال).

ثم ذكر رحمه الله:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير