تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القلم الخامس: التوقيع عن الملوك ونوابهم وسياس الملك ولهذا كان أصحابه أعز أصحاب الأقلام والمشاركون للملوك في تدبير الدول فإن صلحت أقلامهم صلحت المملكة وإن فسدت أقلامهم فسدت المملكة وهم وسائط بين الملوك ورعاياهم.

(وفساد هذا القلم أعظم فساد يعتري الأمم، إذ يعقبه ويلزم منه، كما يقول بعض الفضلاء المعاصرين، فساد كل ما يليه من المؤسسات التنفيذية: العسكرية والاقتصادية والتعليمية والطبية .......... إلخ فضلا عن انهيار البنية الاجتماعية والأخلاقية، بانعدام الأمن وشيوع الجرائم إذ لا سلطان حاكم يردع، ولعل ذلك من أبرز أسباب تخلف أمة الإسلام، وإن كان لها من الموارد البشرية والطبيعية ما يفوق موارد أمم أخرى أخذت بأسباب الكون، فسبقت بمراحل، وإن لم تنجح في الجانب الحضاري نجاحها في الجانب المدني إذ اهتمت بالأبدان والبنيان، وأهملت شان الأرواح والأديان).

ثم ذكر رحمه الله:

القلم السادس: قلم الحساب وهو القلم الذي تضبط به الأموال مستخرجها ومصروفها ومقاديرها وهو قلم الأرزاق وهو قلم الكم المتصل والمنفصل الذي تضبط به المقادير وما بينها من التفاوت والتناسب ومبناه على الصدق والعدل فإذا كذب هذ القلم وظلم فسد أمر المملكة.

(فالمال: عصب الحياة المادية، بدونه تفسد الأبدان فلا تصلح للقيام بالأرواح، فلا يمكن خطاب الجائع الذي لا يجد قوته بمعالي الأمور من النظر في أمور الدين والتأمل في معاني التنزيل ........ إلخ من الوظائف الدينية الشريفة، إذ غاية أمله أن يحصل قوته وقوت أولاده، وهو في ذلك غير ملوم، إن لم يقصر في فرائض الشرع العينية، إذ لا وقت لديه لينفقه في طلب الفروض الكفائية، فغايته أن يحصل الفرض العيني الديني، ويسعى في تحصيل الفرض العيني الدنيوي، فإذا صار هذا حال عموم المكلفين، تراجع أمر الدين وضعف، لانشغال العموم بهم البطون، وكثرة اللصوص الذين استباحوا مقدرات الأمم، وذلك أيضا، من لوازم فساد قلم السياسة، إذ يكثر المنتفعون المتحلقون حول العرش الذي يستألفهم بالعطايا والمناصب، وإن لم يكونوا لها أهلا، ليستعين بهم على تمكين سلطانه، فهي، أيضا، صفقة متبادلة تؤدي في النهاية إلى ظهور مراكز قوى تنازع السلطان حكمه الفعلي وإن أبقت على حكمه الاسمي، فهو ستار تعمل وراءه لتحصيل مصالحها الخاصة ولو بإهدار المصالح العامة، فتعتبر ما حقه الإهدار وتهدر ما حقه الاعتبار، ولا يملك السلطان لها زجرا أو كفا، إن لم يكن لها شريكا، إذ هي التي صدرته ونصبته، فلو خالف لأقصته وأسقطته، فقد وكله الله، عز وجل، إليهم، جزاء وفاقا أن أعرض عن شرعه).

ثم ذكر رحمه الله:

القلم السابع: قلم الحكم الذي تثبت به الحقوق وتنفذ به القضايا وتراق به الدماء وتؤخذ به الأموال والحقوق من اليد العادية فترد إلى اليد المحقة ويثبت به الإنسان وتنقطع به الخصومات وبين هذا القلم وقلم التوقيع عن الله عموم وخصوص فهذا له النفوذ واللزوم وذاك له العموم والشمول وهو قلم قائم بالصدق فيما يثبته وبالعدل فيما يمضيه وينفذه.

(وذلك قلم القضاء الذي إذا فسد ضاعت الحقوق، ولعل أبرز معالم فساده: فساد الشرع الذي يحكم بمقتضاه، وذلك كما تقدم غالب على كثير من الأمصار، فالشرع أرضي مهلهل يسهل اختراقه والتحايل عليه بقلب الحق باطلا، والباطل حقا، على حد ما يقع ممن احترف مهنة المحاماة، التي صارت مهنة: " لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من نار، فَلْيَحْملْهَا، أو ليذَرْها"، وكثير قد ارتضى حملها بل ذلك عين مطلوبه ومنتهى مراده.

فإذا انضم إلى ذلك فساد القضاة الحاكمين، لغياب الوازع الديني وضآلة المقابل الدنيوي، صارت البلية مزدوجة، فالفساد قد طال القوانين ومن يحكم بها).

ثم ذكر رحمه الله:

القلم الثامن: قلم الشهادة وهو القلم الذي تحفظ به الحقوق وتصان به عن الإضاعة وتحول بين الفاجر وإنكاره ويصدق الصادق ويكذب الكاذب ويشهد للمحق بحقه وعلى المبطل بباطله وهو الأمين على الدماء والفروج والأموال والأنساب والحقوق ومتى خان هذا القلم فسد العالم أعظم فساد وباستقامته يستقيم أمر العالم ومبناه على العلم وعدم الكتمان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير