(ومع خراب الذمم ورقة الأديان وضيق المعاش يسهل تجنيد جيوش من شهود الزور، بأبخس الأثمان، لطمس الحقائق وقلب الباطل حقا في أي قضية: عامة، على حد: "ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وذكر منهم: وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ"، أو خاصة على حد: "إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَنْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ").
ثم ذكر رحمه الله:
القلم التاسع: قلم التعبير وهو كاتب وحي المنام وتفسيره وتعبيره وما أريد منه وهو قلم شريف جليل مترجم للوحي المنامي كاشف له وهو من الأقلام التي تصلح للدنيا والدين وهو يعتمد طهارة صاحبه ونزاهته وأمانته وتحريه للصدق والطرائق الحميدة والمناهج السديدة مع علم راسخ وصفاء باطن وحس مؤيد بالنور الإلهي ومعرفة بأحوال الخلق وهيآتهم وسيرهم وهو من ألطف الأقلام وأعمها جولانا وأوسعها تصرفا وأشدها تشبثا بسائر الموجودات علويها وسفليها وبالماضي والحال والمستقبل فتصرف هذا القلم في المنام هو محل ولايته وكرسي مملكته وسلطانه.
(وفساد هذا القلم يكون بظهور الدجاجلة ممن ينتحلون الصلاح ظاهرا لاصطياد بسطاء المسلمين برسم الولاية وكشف الحجب فتصير مناماتهم شرعا منزلا على حد رؤى الأنبياء، فالولي قد يكاشف بسائر أمور الديانة حتى الصحة والضعف في علوم الرواية!، كما قرر ذلك صاحب الفصوص، فلا حاجة إلى علوم الآلة أو حتى علوم الغاية إذ الشيخ قد صار مستودع العلوم الكونية والشرعية، فله اطلاع على المقدرات الكونية وهيمنة على المقدرات الشرعية بإحكام ونسخ ما شاء من الأوراد والهيئات والشرائع والأحكام).
ثم ذكر رحمه الله:
القلم العاشر: قلم تواريخ العالم ووقائعه وهو القلم الذي تضبط به الحوادث وتنقل من أمة إلى أمة ومن قرن إلى قرن فيحصر ما مضى من العالم وحوادثه في الخيال وينقشه في النفس حتى كأن السامع يرى ذلك ويشهده فهو قلم المعاد الروحاني وهذا القلم قلم العجائب فإنه يعيد لك العالم في صورة الخيال فتراه بقلبك وتشاهده ببصيرتك.
(فتضيف إلى عمرك القصير أعمار من سبقك من الأمم، كما قال بعض أهل العلم، وفساد هذا القلم يكون بتزييف ماضي الأمم فتسير على غير هدى إذ لا أساس لها من دين أو خلق تبني عليه حاضرها ومستقبلها فتاريخها: تاريخ مؤامرات سياسية، وصراعات دموية، وجوار ترقص في قصور السلاطين التنابلة، واحتلال للأمصار على حد: الاحتلال العثماني للولايات الإسلامية!، فصارت الخلافة الجامعة للأمة برسم الديانة احتلالا، وصار التشرذم في دويلات على غرار دويلات الطوائف الأندلسية: تحررا وتقدمية!).
ثم ذكر رحمه الله:
القلم الحادي عشر: قلم اللغة وتفاصيلها من شرح معاني ألفاظها ونحوها وتصريفها وأسرار تراكيبها وما يتبع ذلك من أحوالها ووجوهها وأنواع دلالتها على المعاني وكيفية الدلالة وهو قلم التعبير عن المعاني باختيار أحسن الألفاظ وأعذبها وأسهلها وأوضحها وهذا القلم واسع التصرف جدا بحسب سعة الألفاظ وكثرة مجاريها وتنوعها.
(وهو القلم الذي يحفظ به الوحي المنزل فمبانيه هي الأوعية الجامعة لمعاني التنزيل بلسان عربي مبين، فإذا فسد بفشو اللحن، وإهمال تقويم اللسان نطقا وكتابة، والتوفر على كتب اللغة نحوا وصرفا وبلاغة، ضاع الدين بضياع الآلة التي بها تدرك مراميه، ولذلك كان الصحب الكرام، رضي الله عنهم، أعلم الناس بهذا الدين إذ كانوا أصح طباق الأمة لسانا، فبلسانهم الجامع نزل الوحي الخاتم فعلموا من معانية وأسرار ألفاظه ما لم يعلمه من أتى بعدهم ممن خالط لسانه لسان العجم، وبقدر الجهل بلغة العرب يكون الجهل بدين الإسلام، ولذلك حرص أعداء الرسالة الخاتمة على حرب لغة العرب بتغييبها وتعقيدها وجعلها مثار السخرية ومظنة التخلف والرجعية في مقابل لغات العلم الحديثة التي يتهافت الناس على تعلمها والتحدث بها ولو بلا حاجة فهي شرط أساسي لنيل أي وظيفة ذات شأن!).
ثم ذكر رحمه الله:
القلم الثاني عشر: القلم الجامع وهو قلم الرد على المبطلين ورفع سنة المحقين وكشف أباطيل المبطلين على اختلاف أنواعها وأجناسها وبيان تناقضهم وتهافتهم وخروجهم عن الحق ودخولهم في الباطل وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل المحاربون لأعدائهم وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل وعدو لكل مخالف للرسل فهم في شأن وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن.
(فذلك قلم عسكر الرسالة، كما يسميهم بعض الفضلاء، ينفون عن الملة الخاتمة، تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فإرثهم أشرف إرث، وعلمهم أشرف علم، وبغيابهم تستبيح جيوش الكفار الأصليين وأذنابهم من المستغربين فضلا عن أهل البدع وما أكثر نحلهم وطرقهم، بغيابهم تستبيح تلك الجيوش: ثغور الإسلام العلمية).
ثم يقول، رحمه الله، في خاتمة هذا المبحث النفيس:
"فهذه الأقلام التي فيها انتظام مصالح العالم ويكفي في جلالة القلم أنه لم تكتب كتب الله إلا به وأن الله سبحانه أقسم به في كتابه وتعرف إلى غيره بأن علم بالقلم وإنما وصل إلينا ما بعث به نبينا بواسطة القلم". اهـ
والله أعلى وأعلم.
¥