تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 11 - 2009, 05:31 م]ـ

قال ابن القيم رحمه الله:

"وفي السنن الأربعة عن مسلم بن يسار الجهنى أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية: {وَإِذْ أَخَذَ رَبّكَ مِن بَنِيَ آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ} [الأعراف: 172]، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سئل عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خَلَقَ الله آدَم ثُمَّ مَسَحَ ظهْرَهُ بِيَمِينِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلْجَنَّةِ، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ، ثُمَّ مَسَحَ ظَهرَهُ فَاستخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ: خَلَقْتُ هَؤُلاءِ لِلنَّار، وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ" قال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الله تَعَالَى إِذَا خَلَقَ العَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَملِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعمَالِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ الجَنَّةِ، وَإِذَا خَلَقَ العَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِن أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ".

ص98.

فالعمل، كما تقدم، هو السبب الذي يتوصل به إلى القدر المكتوب، وما دام المرء لا يعلم ما كتب له فلا مناص له من العمل فهو تأويل المسطور في اللوح المحفوظ، إذ الثواب والعقاب لا يتعلق بالعمل، وهو لما يزل معلومة عدمية في عالم الغيب، وإنما يحدث التعلق به بعد صيرورته كائنا موجودا في عالم الشهادة، فذلك جار على ما تقدم من تعلق العلم بالمقدور، فهو معلوم أزلا بالعلم الأول: علم التقدير، وهو معلوم حال وقوعه بالعلم الثاني: علم الإحاطة، فبعلم التقدير يستدل على كمال ربوبيته، عز وجل، إذ به يقدر الله، عز وجل، المقدورات من الأعيان والأفعال على حد الإتقان المحكم، فكمال وصفها من كمال وصف الصانع، فيكتب ذلك في اللوح المحفوظ فإذا شاء الرب، جل وعلا، وقوعه، خلقه في عالم الشهادة، فتعلق به علم الإحاطة الذي يستدل به على حكمته، جل وعلا، إذ لا يكون كائن في عالم الشهادة إلا دليلا على حكمته، ولو كان في نفسه شرا محضا، كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا، وبعلم الإحاطة يستدل أيضا على ألوهيته، عز وجل، إذ هو إحصاء لأفعال العباد الواقعة في عالم الشهادة على حد ما قدر في عالم الغيب، وإحصاء الأعمال: مظنة التكليف، إذ لا يحصَى العمل إلا تثبيتا للعلم الأول، فإن كان خيرا كان سببا في النجاة، كما في الحديث: "حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعمَالِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ الجَنَّةِ"، وإن كان شرا على سبيل المقابلة استيفاء لوجهي القسمة العقلية، كان سببا في الهلاك، كما في الحديث: "وَإِذَا خَلَقَ العَبْدَ لِلنَّارِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِن أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ فَيُدْخِلَهُ بِهِ النَّارَ"، وأسباب النجاة والهلاك لا تتلقى إلا من الوحي، ومن الشريعة الحاكمة تحديدا، والتعبد بها مباشرة لأسباب النجاة واجتنابا لأسباب الهلاك، هو توحيد الله، عز وجل، بأفعال عباده، وهو توحيد الألوهية الشطر الثاني من قسمة التوحيد الثنائية:

توحيد الرب، جل وعلا، بأفعاله، وعلم التقدير منه، كما في:

قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ):

فارتبط العلم بالخلق المعجز الذي لا يكون إلا بقدرة نافذة في معرض إثبات ربوبية الله، عز وجل، ربوبية الإيجاد، وربوبية العناية بالخلق إذ السياق سياق امتنان بخلق ما في الأرض جميعا لهم، فاللام في: "لكم": لام الاختصاص، وبها استدل الأصوليون على أن الأصل في الأعيان بعد ورود الشرع: الإباحة العامة دون حاجة إلى دليل إباحة خاصة، فالمحرمات هي الاستثناء الذي بين الشرع أنواعه على حد التفصيل، على حد قوله تعالى: (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير