تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أكمل المخلوقات الأرضية كالسنن الحاكمة للحيوان البهيم فما دونه من الحشرات والكائنات الدقيقة التي تعرف، ايضا، معنى الاجتماع على حد ما أطلق عليه علماء الحياة: المستعمرات، كمستعمرات الطحالب التي تتألف من أفراد تجتمع على هيئات مخصوصة كطحلب الفولفوكس، الذي يكون مستعمرة أطلق عليها: " Volvox Colony" ، تتبدى فيها دقة وإحكام الخلق الدال على وجود الرب، جل وعلا، وانفراده بالتدبير على حد التأثير في جريان المقدورات دقت أو جلت وفق ما علم وقدر أزلا، فلكل خلية في المستعمرة كيان مستقل يتكامل مع بقية أعضاء المستعمرة المتماثلة الأفراد على حد ينتظم به أمر المستعمرة انتظام المستعمرات البشرية التي يتكامل أفرادها باجتماعهم للنهوض بأعباء حياتهم، والتواصل بين أفراد المستعمرة يتم بواسطة مادة جيلاتينية تنتظمهم، فهم فيها يسبحون، وداخل المستعمرة الأم تتولد مستعمرات صغيرة: " Daughter Colonies" عن طريق انقسامات خلوية متكررة، بعد وقوع التكاثر لا جنسيا أو جنسيا، فكلا النوعين فيها كائن، ثم لا تلبث تلك البنيات الصغيرات أن تنفصل عن أمهن لتكون مستعمرات جديدة، على حد انفصال الجنين عن رحم أمه، فالسنة واحدة وإن اختلفت درجة التعقيد، وذلك مئنة من وحدة الصانع، عز وجل، في ذاته، وأحديته في صفاته التي عن كمالها تكون أفعاله بإيجاد تلك الكائنات على هذا الحد من الدقة والإتقان.

فسنة الاجتماع سنة فطرية جبلت عليها الكائنات دقت أو جلت، وكل ذلك قد سطر في الكتاب الأول، فـ: "أل" في: "الكتاب": عهدية ذهنية تشير إلى الكتاب الأول الذي كتب الله، عز وجل، فيه مقادير الخلائق: أعيانا وأوصافا وأعمارا وأرزاقا ......... إلخ، على حد التفصيل لأدق الجزئيات، فذلك علمه التقديري الأول، ثم بعد خروجه إلى عالم الشهادة بالقدرة الربانية النافذة، يحصيه الله، عز وجل، بعلم الإحاطة فتثبته الملائكة في الصحف وفق ما علم وقدر من الأزل، فيكون تأويل المقدور الحادث على وفق القدر الأزلي القديم، ثم يكون الحشر لـ: (تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، فتظهر آثار حكمة الرب، جل وعلا، في الفصل بين عباده، بل بين خلقه، ولو كان قصاصا للشَّاةُ الْجَمَّاءُ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ

وذكر القرطبي، رحمه الله، قولا آخر في تفسير: "الكتاب وهو حمله على: القرآن، فتكون: "أل" عهدية ذهنية، أيضا، ولكنها تشير إلى معهود آخر هو الكتاب العزيز آخر الكتب نزولا وأجمعها لزبدة علوم ما تقدمه من الكتب النازلة على قلوب الأنبياء والمرسلين عليهم السلام.

فيكون المعنى: ما فرطنا فيه من أحكام الشريعة من شيء فهو جامع لأحكامها: سواء نص عليها، أو أقر حجية ما سواه من أدلة الأحكام من سنة وإجماع وقياس مبناه الاجتهاد العقلي إذ لم يهمل الوحي آلة التكليف، بل قد نزل بما يزكيها، ليجتمع فيها الذكاء الفطري والزكاء الشرعي الذي يضبط قياس العقل ويصحح ما فسد منه، فليس كل قياس عقلي معتبر، وإنما يصير القياس صريحا إذا وافق نقلا صحيحا فلا تعارض بينهما كما قرر المحققون من أهل العلم.

يقول القرطبي رحمه الله:

"قوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) أي في اللوح المحفوظ فإنه أثبت فيه ما يقع من الحوادث.

وقيل: أي في القرآن أي ما تركنا شيئا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن، إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام، أو من الإجماع، أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب". اهـ

وقوله تعالى: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير