تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فوضع الكتاب الذي سطرت فيه أفعال العباد بعد خروجها من حيز العدم إلى حيز الوجود، فـ: "أل" في: "الكتاب" عهدية ذهنية، أيضا، ولكنها تشير إلى الكتاب الذي تعلق بالعلم الثاني: علم الإحاطة، لا الكتاب الأول الذي تعلق بعلم التقدير الأزلي، فالسياق: سياق جزاء تظهر فيه آثار حكمة الرب، جل وعلا، بفصل القضاء، فيثيب الطائع فضلا، ويعاقب العاصي عدلا، ولا يسوي بينهما لكمال حكمته، إذ التسوية بين المختلفات قدح في الحكمة، يتنزه عنها حكماء البشر، فتنزيه الرب، جل وعلا، عنها، وهو أحكم الحاكمين، ثابت، بل واجب، من باب أولى، فلو كان الكتاب الموضوع هو الكتاب الأول ما أشفق المجرمون مما فيه، إذ لهم أن يحتجوا بعدم العلم بما هو مسطور فيه، فلا يعلم ما في اللوح من المقادير المبرمة إلا مقدرها وكاتبها، عز وجل، وإنما أقيمت الحجة عليهم بما يعلمونه مما اكتسبوا من الآثام في عالم الشهادة، وجاءت الكتابة في كتاب الأعمال مؤكدة لما في الكتاب الأول فهي على وفق ما فيه كائنة، ومحصية لما عملوا من الصغائر والكبائر على حد التفصيل الذي تكتمل به إقامة الحجة عليهم، وكل ذلك مما تظهر به آثار حكمة الرب، جل وعلا، ولذلك ذيل بالنفي تنزيها: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)، مع إثبات كمال ضده على ما اطرد في باب الصفات، إذ المدح لا يكون بنفي محض، وإنما يكون بإثبات كمال ضد المنفي، فلا يظلم، جل وعلا، أحدا، لكمال حكمته، فالحكيم لا يسوي بين المختلفين كما تقدم فذلك من الظلم بمكان، ولا يظلم، جل وعلا، أحدا لكمال غناه عن خلقه، فالمفتقر إلى ما بيد غيره هو الذي يظلمه ويقهره عليه إن قدر على ذلك، والله، عز وجل، هو الغني على حد الإطلاق، فغناه ذاتي لازم، المغني لغيره، فإغناؤه فعلي متعد.

ومما ورد في تفسير الصغيرة والكبيرة، ما أشار إليه البغوي، رحمه الله، بقوله:

"قال ابن عباس: "الصغيرة": التبسم و: "الكبيرة": القهقهة وقال سعيد بن جبير: "الصغيرة": اللمم واللمس والقبلة و: "الكبيرة": الزنا". اهـ

فذلك جار مجرى ما سبقت الإشارة إليه في مواضع عدة من اختلاف التنوع في تفسير آي الكتاب العزيز، فكل قد ذكر للعام مثالا، فلا يخصصه، إذ الكل مندرج تحته، فعموم الصغيرة يشمل: التبسم والقبلة، وعموم الكبيرة يشمل: القهقهة والزنا، فلا يخصص العام بفرد من أفراده ذُكِر على حد التمثيل له، فذكره لا مفهوم له ليبطل دلالة العام على بقية الأفراد، بل العام، كما تقدم، يشمله ويشمل بقية الأفراد على حد سواء، وإن كان دخول الفرد الممثل به في العموم الممثل له أقوى من دخول بقية الأفراد للنص عليه دون غيره.

ومنه أيضا:

قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)

فخرج المعلوم العدمي إلى عالم الشهادة الوجودي، فاستمتع بعضهم ببعض، إذ استمتع الإنسي من الجني بما أعانه من الخوارق بإرادة الرب، جل وعلا، الكونية النافذة، فتنة له وابتلاء لمن حوله، أيصبرون على أذاه ويستعينون على رفعه بالأذكار والأوراد الشرعية أم يخضعون لطغيانه، فهو طاغوت قد سلط على الأبدان والأديان، فالساحر يضر بإذن الله، عز وجل، على حد قوله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)، فتهابه القلوب بما فطرت عليه من الخوف الطبعي من كل مكروه، فإن صار ذلك الخوف كالخوف من الرب القدير، عز وجل، فاعتقد صاحبه استقلال ذلك الأثيم بالتأثير في الأكوان والأبدان بـ: المرض والشفاء، والإحياء والإماتة .......... إلخ، فقد وقع صاحبه في أسر ذلك الطاغوت فاسترق دينه قبل أن يسترق بدنه، ولا فكاك من ذلك القيد إلا باللجوء إلى الرب المجري لأحداث الكون بقدرته، المدبر لها بحكمته، فـ: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق"، فأعوذ بكلماته الكونيات

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير