تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والحديث ضعيف كما في هامش النسخة التي أنقل منها فقد أعله المحقق بجهالة وضعف حبيب بن عمر كما قال ابن أبي حاتم، رحمه الله، في "الجرح والتعديل"، ونص كلامه: "حبيب بن عمر الأنصاري روى عن أبيه عن ابن عمر روى عن بقية. سمعت أبي يقول ذلك وسمعته يقول: هو ضعيف الحديث مجهول لم يرو عنه غير بقية". اهـ

فهو مجهول العين إذ لم يرو عنه إلا واحد هو بقية بن الوليد رحمه الله.

فقد نسبوا إليه، جل وعلا، الفحش فأساءوا الظن به، إذ قد أراد ضلال عباده وسعى فيه فهو من مراداته الشرعية!، ولذلك قال قائلهم كما تقدم: "لي خمس بنات لا أخاف على إفسادهن غيره".

وقال القائل لما بكي وهو يودع أهله فأمر بأن يستودعهم ويستحفظهم الرب جل وعلا: "ما أخاف عليهم غيره! ".

فأين ذلك من قوله تعالى: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).

وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في دعاء السفر: (اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ).

وهل يستخلف الإنسان في أهله إلا من قد أحسن الظن به؟!، فكيف ولكل مستخلف بشري، من أوصاف النقص ما له، ومع ذلك يحسن المستخلِف الظن به فيستأمنه على ماله وعرضه، فكيف لا يأمن من له الخلافة الكونية العامة، مع كمال وصفه وتمام استغنائه عن خلقه، فلا أرب له في عباده، بل قد أراد تكريمهم بتأويل أمره الشرعي: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) لتظهر آثار حكمته ورحمته فيهم، فهو أهل لكل ظن حسن، والنفس الموسوسة أهل لكل ظن سيئ، فتحل عرى التكليف ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، تحصيلا لشهوة، أو تقحما لشبهة فلا حط لها من الاستقامة إلا أن يقيمها الله، عز وجل، على سنن ما شرع على ألسنة رسله عليهم السلام، فكيف يساء الظن بمن له كمال القدرة والحكمة، فنفاذ المقادير كائن بقدرته، وكمالها، وإن جهل العبد وجهه، كائن بحكمته، فلا يفتقر من هذا وصفه إلى ما بيد خلقه، ليسلبهم إياه فيصح نعته بالظلم، تعالى الملك الغني الحميد عن وصف السوء علوا كبيرا فـ: "لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ".

فلو أحسن العباد القيام بوظائف العبودية، وتركوا التنقير فيما لا قدرة لهم عليه فلم يكلفوا بتقصيه، ما أساءوا الظن بالرب، جل وعلا، فإنما أعطاهم ليكرمهم، ومنعهم ليؤدبهم فـ: (مَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ)، فعطاؤه فضل ومنعه عدل، بل هو فضل في حق فئام من المحرومين لو أعطوا لفسد حالهم فكان حجب العطاء عنهم سبب نجاتهم في دار الجزاء، فالرضا بالمقدور الشرعي تأويلا بالامتثال في دار التكليف، والصبر على المقدور الكوني إن عدم العبد حيلة في رفعه، هما علامة إحسان الظن بالرب، جل وعلا، إذ شرع الطاعة ليزكي المحال القلبية ويطهر الجوارح مما علق بها من أدران مدافعة الأقدار اليومية، فالعبد يكابد التكليف فعلا وكفا من حين يستيقظ إلى حين ينام، فله في كل لحظة امتحان بأمر شرعي ملزم، ووساوس نفساني أو شيطاني مفسد، فإن ثبت للتكليف امتثالا، وثبت في وجه الوسواس احتمالا لكف النفس عن مراداتها الآنية التي فيها هلاكها الآجل، وإنما زينتها النفس لسوء طويتها وفساد تصورها فرامت اللذة العاجلة، ولو كانت حراما، إن ثبت على هذا الوجه لأمر الشرع امتثالا وأمر الكون احتسابا، فهو أهل لأن يحسن الظن بربه، إذ قد أحسن العمل، وإنما يسيئ الظن بالرب، جل وعلا، فيفر منه فرار عبد السوء، ويبغضه إلى خلقه من فرط في أمر الديانة، فلو أحسن الظن بالرب، جل وعلا، لأحسن العمل، ولتعلق قلبه به، جل وعلا، تعلق الحبيب بمحبوبه، فرام أن يشاركه العباد تعظيمه وتقدسيه لا أن ينفرهم منه فيبغضه جل وعلا لهم بإساءة ظنهم فيه، وهو أهل لكل محمدة شرعية، إذ له كمال القدرة والحكمة، فلا خالق سواه ولا مدبر غيره، قد أحسن كل شيء خلقه بقدرته، وهداه إلى ما يلائمه بحكمته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير