تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 01 - 2010, 09:16 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"والقضاءُ والقدر عندهم أربع مراتب جاءَ بها نبيهم وأخبر بها عن ربه تعالى: الأولى: علمه السابق بما هم عاملوه قبل إيجادهم. الثانية: كتابة ذلك فى الذكر عنده قبل خلق السموات والأرض. الثالثة: مشيئته المتناولة لكل موجود، فلا خروج لكائن عن مشيئته كما لا خروج له عن علمه. الرابعة: خلقه له وإيجاده وتكوينه، فإنه لا خالق إلا الله، والله خالق كل شيء.

فالخالق عندهم واحد وما سواه فمخلوق ولا واسطة عندهم بين الخالق والمخلوق، ويؤمنون مع ذلك بحكمته، وأنه حكيم فى كل ما فعله وخلقه، وأن مصدر ذلك جميعه عن حكمة تامة هى التى اقتضت صدور ذلك وخلقه، وإن حكمته حكمة حق عائدة إليه قائمة به كسائر صفاته، وليست عبارة عن مطابقة علمه لمعلومه وقدرته لمقدوره كما يقوله نفاة الحكمة الذين يقرون بلفظها دون حقيقتها، بل هي أمر وراء ذلك، وهى الغاية المحبوبة له المطلوبة التي هي متعلق محبته وحمده، ولأجلها خلق فسوَّى وقَدَّر فهدى، وأمات وأحيا وأسعد وأشقى، وأضل وهدى ومنع وأعطى". اهـ

ص112.

فعلمه سابق أزلي، فهو العلم الأول الذي يؤثر في الخلق، فهو علم تقديري للأفعال إحصائي لها، فعلم الله، عز وجل، يتعلق بفعل العبد تعلقات منها:

التعلق الأزلي فهو تعلق التقدير المبرم.

والتعلق حين الكتابة في اللوح المحفوظ وهو على حد الإبرام.

والتعلق حين الكتابة في صحف الملائكة، فهو مبرم في حق الرب، جل وعلا، معلق في حق الملك قد أخفاه الله، عز وجل، عن الملك، فقضى إليه القضاء المعلق بالأسباب ليتحقق معنى الابتلاء بمدافعة الأسباب فتظهر آثار حكمته عز وجل.

والتعلق حين وقوع الفعل في عالم الشهادة فهو متعلق بالمشيئة الربانية، فإذا شاء الرب، جل وعلا، تأويل معلومه الأزلي في عالم الشهادة الوجودي تجدد لهذا المقدور تعلق آخر بعلمه، عز وجل، الثاني: علم الظهور والانكشاف، الذي به تظهر معاني الحكمة في ترتب الثواب أو العقاب عليه، واستجلابه بالأسباب المؤدية إليه، فهو إحصاء للأفعال الواقعة في عالم الشهادة تأويلا للمقضي الأزلي في عالم الغيب، فكتب، عز وجل، في الذكر ما العباد فاعلون قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ثم أظهره في حينه المقدر في عالم الشهادة.

وليست حكمة الرب، جل وعلا، هي هذا التعلق المجرد بين العلم والمعلوم، بل هي قدر زائد على ذلك، فالحكمة وقوع الفعل لغاية جليلة يظهر بها من كمال الرب، جل وعلا، في تقديره وتنفيذه ما يظهر، كما أن العلم الثاني قدر زائد على العلم الأول فليس مجرد تأويل المعلوم الأزلي في: عالم الشهادة، بل له تعلق تجددي بالمشيئة النافذة من هذا الوجه، وإن كان أصله: صفة ذات لا تتعلق بالمشيئة الربانية، فهو على حد الصفات الأزلية النوع المتجددة الأفراد كالكلام.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وهذه الحكمة هي الغاية، والفعل وسيلة إليها، فإثبات الفعل مع نفيها إثبات للوسائل ونفي للغايات وهو محال، إذ نفي الغاية مستلزم لنفي الوسيلة، فنفي الوسيلة وهي الفعل لازم لنفي الغاية وهي الحكمة، ونفي قيام الفعل والحكمة به نفي لهما فى الحقيقة، إذ فعل لا يقوم بفاعله وحكمة لا تقوم بالحكيم شيء لا يعقل، وذلك يستلزم إنكار ربوبيته وإلهيته، وهذا لازم لمن نفى ذلك، ولا محيد له عنه وإن أبى التزامه، وأما من أثبت حكمته وأفعاله على الوجه المطابق للعقل والفطرة وما جاءت به الرسل لم يلزم من قوله محذور ألبتة، بل قوله حق، ولازم الحق حق كائناً ما كان". اهـ

ص112.

فالحكمة هي غاية خلق هذا الكون، فإنه ما خلق إلا لتظهر آثار أوصاف الرب العلية في عموم هذه البرية، فقد اتصف بصفات الذات أزلا، فكان بذاته، عز وجل، متصفا بأوصافه الذاتية: معنوية كانت أو خبرية، فجاء خبر الوحي الصادق بما يشهد له العقل من صفات المعاني الكاملات من: علم وإرادة وحكمة وسمع وبصر ..... إلخ، فالعقل يوجب تلك الأوصاف للرب، جل وعلا، بقياس الأولى على العبد، إذ هي فيه كمال مطلق، فخالقه أولى بالكمال المطلق منه، ومع ذلك لا تثبت إلا بعد ورود خبر النبوة الصادق، فهو مناط العصمة في هذا الباب الجليل خصوصا، وفي كل أبواب الغيب عموما، إذ العقل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير