تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القدسية فالرب خالق وإن لم يكن ثم خلق، رازق وإن لم يكن ثم رزق، فيحدث الرب، جل وعلا، من آحادها ما شاء، فهي أثر صفات جماله وجلاله في عالم الشهادة، فبكلماته الكونيات يرزق العباد فذلك من أثر صفات جماله في كونه، فعن صفة الرَّزق صدر جنس الرِّزق، إذ المعنى الذي اشتقت منه الصفة ثابت للرب، جل وعلا، على الوجه اللائق بجلاله، فأسماؤه أعلام على ذاته أوصاف لها، وبكلماته الكونيات يهلك الطغاة فذلك من أثر صفات جلاله في كونه، فعن أوصاف الجبروت والانتقام، صدر جنس العقاب الذي حاق بأعداء الرسل عليهم السلام فغار الجبار، جل وعلا، لأشرف خلقه من الأكابر المقدمين من الرسل والنبيين، عليهم السلام، فأرسل عذابه الكوني على من كذب خبره وخالف حكمه الشرعي، فحقت كلماته على الذين فسقوا، فهي علة ما نزل بهم من العذاب، فصدورها من الرب، جل وعلا، صدور الكلمات الفاعلة عن الصفات الكاملة، فلكل وصف كلماته، فلوصف الخلق كلماته، ولوصف الرزق كلماته، فلو تساوت لتساوت دلالات الأسماء فكان الخلق كالرزق، وذلك مردود شرعا وعقلا، إذ فيه التسوية بين المختلفين، ولازمه نفي صفاته، عز وجل، بردها إلى وصف واحد، والصحيح أنها تتعدد بتعدد الأسماء الدالة عليها، فهي كما تقدم: أعلام وأوصاف، فالرب، جل وعلا، متصف بمعانيها على الوجه اللائق بجلاله، فدلالة أسمائه على معانب صفاته: دلالة تضمن لها ولدلالتها العلمية على الذات القدسية.

والشاهد أن الحكمة والقدرة من تلك الأوصاف الشريفة، فكان قضاء الرب، جل وعلا، وقدره، أثرها في دار الابتلاء، فبالحكمة كان التقدير الأول في عالم الغيب، والتدبير الثاني في عالم الشهادة، وبالقدرة كان تأويل المقدور في عالم الشهادة، فالفعل صدر من قدرة نافذة وحكمة بالغة، فليس فعلا بلا علة، لمجرد المشيئة النافذة، فإنه لا يتصور فعل بلا غاية، فالبشر تقوم بهم إرادات تسبق أفعالهم لتحقيق غاياتهم فلا يوقع أحد فعلا إلا وقد تذرع به إلى غاية قد تصورها ذهنه ابتداء، فهي العلة الغائية السابقة في التصور التالية في الوجود، وذلك مما يمدح به العبد، فلا يوقع الفعل بلا غاية إلا من لا عقل له، فلا يتصور عاقبة فعله، فيوقعه مجردا عن الغاية، وذلك مما يتنزه عنه حكماء البشر، فأحكم الحاكمين أحق بهذا التنزيه، ففعله بالقدرة وقع وعلى سنن الحكمة جرى، فله من السنن الكونية المحكمة ما يدل على كمال أوصافه الفاعلة المبدِعة، فقد أبدع الكون على غير مثال سابق وأجرى فيه من السنن ما به أثر إحكامه وإتقانه للمفعولات قد ظهر، فلا يتصور أن يكون ذلك بلا علم وحكمة وإرادة سابقة، فقدر الرب، جل وعلا، أزلا لحكمة إظهار كمالاته في مفعولاته ثم أراد وقوع ذلك في عالم الشهادة فكان ما أراده بإرادته الكونية النافذة، فصدرت الكلمات الكونيات بآثار أوصاف الجمال والجلال، فكان هذا الكون مئنة من كمال صانعه، فالأضداد تتلاقى لتظهر كمال قدرته في وجودها، وكمال حكمته في تدافعها، فهو الرب الواحد الأحد الذي إلى كلماته ترجع كل المعلولات الحادثة رجوع المسبب إلى سببه، فكل سبب يسبقه سبب حتى يصل العقل إلى السبب الأول الذي ليس وراءه سبب: كلمات الرب، جل وعلا، التي بها خلق وأوجد، وأمات وأحيا ..... إلخ من سائر المقدورات فهي من وصفه، فلها حكم ذاته من الأولية فليست مخلوقة، بل بها يكون المخلوق وبها تجري عليه سائر المقادير، وفي ذلك رد على من قال بخلق الكلمات الإلهية فلم يتصور ما نطق به لسانه إذ لو كانت مخلوقة للزم أن يكون الخالق للأسباب المخلوقة: مخلوقا!، فيلزمه خالق سابق، فتكون الكلمة قد سبقت بكلمة ...... إلخ وكلها على رسم الخلق فيقع التسلسل في المؤثرين وهو ممتنع عند العقلاء، إذ لا بد أن تنتهي المؤثرات إلى مؤثر أول لا يؤثر فيه غيره بل هو المؤثر في غيره بالخلق والإيجاد، وفيه رد على المثلثة عباد الصلبان الذين قالوا بانفصال أقنوم الكلمة أو العلم عن ذات الرب، جل وعلا، ليتجسد في ناسوت المسيح عليه السلام فيحل الوصف الإلهي الأزلي في ناسوت أرضي حادث، ليصلب فداء للنوع الإنساني!، فتفنى صفة من صفات الرب، جل وعلا، بفناء الناسوت الذي تجسدت فيه!، وهو أمر باطل نقلا وعقلا وفطرة وقل ما شئت من أدلة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير