تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

البطلان إذ الكلمات غير مخلوقة، فلا تحل في مخلوق، إذ لا يحوي المتناهي غير المتناهي بداهة، فكلماته، عز وجل، لا منتهى لها: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، ولو جاز الفناء على كلمة منها جاز على الباقي ففنيت صفته، عز وجل، فبطل وصفه بآخرية الصفات، بجعل صفاته على حد صفات البشر يعتريها ما يعتريها من النقصان الذي يعتري الناسوت الذي حلت فيه والفناء الذي قد آل إليه بزعم الساعين في قتل المسيح عيسى عليه السلام، و: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا). فطريقة أهل الإسلام عموما وأهل السنة خصوصا هي أمثل الطرق في هذا الباب الجليل فهي الموافقة للعقل الملائمة للفطرة، فضلا عن كونها خبرا واردا برسم العصمة، فدلائل نبوة مبلغه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد بلغت التواتر الذي يورث الناظر فيه علما يقينيا جازما بأنه رسول رب العالمين، النازل بآخر الرسالات فبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد ختمت النبوات.

ومن التزم ما جاءت به الرسل، عليهم السلام، فقد قال بالصدق، ولازم الحق: حق، فلو ألزمه من ينفي حكمة الرب، جل وعلا، بلازم إثبات الحاجة والافتقار إلى الأغراض، فإنه يسأل عن مراده من لفظ: "الغرض"، إذ قد أورد مجملا يفتقر إلى البيان فإن أراد الغرض الذي يفتقر إليه البشر فهو معنى باطل لا يلزم من أثبت لله، عز وجل، حكمة، إذ لم يثبت له حكمة من جنس حكمة البشر ليلزمه ذلك، بل أثبت له حكمة تليق بجلاله، فهي فرع عن ذاته القدسية، فليس لها مثيل من حكم البشر، كما أنه ليس لذاته مثيل من ذوات البشر، فالقول في الصفات، كما تقدم مرارا، فرع عن القول في الذات، وإنما يلزم هذا القول من أثبت له، عز وجل، بقياس الشمول أو التمثيل: حكمة كحكمة البشر الذين يفتقرون إلى الأغراض فيوقعون الأفعال تحصيلا لها، فذلك معنى منتف عن الرب، جل وعلا، بداهة إذ فيه قدح في كمال غناه الذاتي المطلق، وهو، من باب قلب الدليل، ما وقع فيه من نفى الحكمة فإنه قد تصور حكمة من جنس حكمة البشر المشهودة، فنفر عقله وذوقه من إثباتها للرب، جل وعلا، فنفاها تنزيها، وهذا نفور يدل على سلامة في العقل والذوق، ولكن من قال بأن اللازم الذي التزمه لازم ابتداء ليتفرع عنه النفي، بل الغلو فيه، تنزيها؟!، وذلك ما جرى عليه النفاة لأي صفة من صفات الرب، جل وعلا، التي تشترك مع صفات المخلوقين في المعنى الكلي المجرد في الذهن والاسم الدال عليها، فإنه جعلوا ذلك ذريعة إلى إثبات الاشتراك في الحقائق الخارجية فمثلوا صفات الرب، جل وعلا، بصفات خلقه، فنفروا من ذلك، ففروا منه بالنفي العام تنزيها فنفوا الباطل الذي أنتجه قياسهم ونفوا الحق وهو اتصاف الرب، جل وعلا، بها على الوجه اللائق بجلاله.

وقد آل الأمر إلى نفي بعض الفضلاء أصحاب القدم الراسخة في الديانة كابن حزم، رحمه الله، للقياس، لأنه نفى تعليل أحكام الله، عز وجل، بالحكمة، لما تقدم من لازم الافتقار إلى الغرض، وهو لازم لا يلزم، فيفعل، عز وجل، عندهم لمجرد المشيئة فلا وصف مؤثر في الفعل علق عليه الحكم تعليق المسبَّب على سببه، وذلك تعطيل لحكمته، جل وعلا، البالغة.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 01 - 2010, 08:42 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وكذلك الأمر والشرع، فإن من أنكر كلام الله وقال: إن الله لم يتكلم ولا يتكلم، ولا قال ولا يقول، ولا يحب شيئاً ولا يبغض شيئاً، وجميع الكائنات محبوبة له وما لم يكن فهو مكروه له، ولا يحب ولا يرضى ولا يغضب، ولا فرق في نفس الأمر بين الصدق والكذب والبر والفجور، والسجود للأصنام والشمس والقمر والسجود له، ولم يكلف أحداً ما يقدر عليه بل كل تكليفه تكليف ما لا يطاق ولا قدرة للمكلف عليه ألبتة ويجوز أن يعذب رجالاً إذ لم يكونوا نساءً ويعذب نساءً إذ لم يكونوا رجالاً وسوداً حيث لم يكونوا بيضاً وبيضاً حيث لم يكونوا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير