تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وظهرت حكمته، جل وعلا، إذ خلق الأضداد، فالعبد يتقلب فيها، فمن سعة إلى ضيق، ومن فرح إلى حزن، ومن صحة إلى مرض، ومن حياة إلى موت، فظهرت آيات الرب، جل وعلا، في عباده، فمنهم آيات في الصبر، وأخر في الجزع، ولكلٍ مآله فرعا عن حاله، وذلك، كما تقدم، إنما يكون بالحكمة التي يضع صاحبها الشيء في موضعه فلا يسوي بين المختلفات ولا يفرق بين المتماثلات.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 01 - 2010, 09:36 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فصل: فى تفصيل ما أجمل فيما مر وتوضيحه:

وإنما يتبين هذا ببيان وجود الحكمة فى كل ما خلقه الله وأمر به

، وبيان أنه كله خير من جهة إضافته إليه سبحانه، وأنه من تلك الإضافة خير وحكمة، وأن جهة الشر منه من جهة إضافته إلى العبد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فى دعاءِ الاستفتاح: "لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِى يديك، والشر ليس إليك"، فهذا النفى يقتضى امتناع إضافة الشر إليه تعالى بوجه، فلا يضاف إلى ذاته ولا صفاته ولا أسمائه ولا أفعاله، فإن ذاته تعالى منزهة عن كل شر، وصفاته كذلك إذ كلها صفات كمال ونعوت جلال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، وأسماؤه كلها حسنى ليس فيها اسم ذم ولا عيب، وأفعاله كلها حكمة ورحمة ومصلحة وإحسان وعدل لا تخرج عن ذلك ألبتة". اهـ

ص116.

فجهة الإضافة متباينة: فالمقدور الكائن في عالم الشهادة إن أضيف إلى الرب، جل وعلا، فهو من باب: إضافة المخلوق إلى خالقه، فوصف الخلق فيه ظاهر، إذ الرب، جل وعلا، خالق الأعيان والأفعال، حسنها وقبيحها، بكلماته التكوينيات الخالقة، وإذا أضيف إلى العبد فهو من باب: إضافة الفعل إلى فاعله، فقد قام الفعل بالعبد قيام المريد للمراد بإرادة اختيارية لا تخرج عن إرادة رب البرية، فجهة الخلق الأولى تعم جهة الفعل الثانية، فالعلاقة بينهم على حد قول المناطقة: عموم وخصوص مطلق، إذ كل إرادة بشرية لا تخرج عن دائرة الإرادة الإلهية، فإن أراد العبد الطاعة ووفق لها فأداها فقد وافق الإرادة الكونية والشرعية معا، وذلك أكمل أحواله، وإن أراد المعصية ويسرت له أسبابها استدراجا فلن يخرج بإرادته أيضا عن حد الإرادة الكونية، وإن خرج عن مقتضى الإرادة الشرعية من التكليف، وهذا أنقص أحواله، فإرادته في جميع أحواله: إن أطاع فضلا، أو عصى عدلا، فرد مخلوق من جنس الإرادة البشرية المخلوقة التي لا تخرج أبدا عن عموم إرادة الرب، جل وعلا، الكونية، وهذا وجه العموم والخصوص المطلق بينهما.

فلا يضاف الشر إلى الرب، جل وعلا، إضافة شرع، أو إضافة فعل، فهو خالقه لا فاعله، فلا ينسب إليه وإنما ينسب إلى سببه، تأدبا مع الرب، جل وعلا، فيثبت وصف الفعل بالخلق، وتنفى الإرادة بمعنى الشرع الذي يحبه الله، عز وجل، ويرضى عن صاحبه، فإن الرب، جل وعلا، لا يحب الفساد ولا يرضى عن فاعله، وإن أراد وقوعه كونا فقد خلق الفاعل، ويسر له أسباب الفساد بمقتضى عدله وحكمته، وخلق فيه إرادة الشر لعدم قابلية المحل لإرادة الخير، وذلك، كما تقدم مرارا، مئنة من كمال حكمته إذ لم يضع الخير في محل طارد له، بل حجبه عن المحل الفاسد بعدله ووهبه المحل الصالح بفضله.

يقول اللالكائي رحمه الله:

"ومن مذهب أهل السنة وطريقتهم مع قولهم إن الخير والشر من الله وبقضائه، لا يضاف إلى الله ما يتوهم منه نقص على الانفراد، فلا يقال: يا خالق القردة والخنازير والخنافس والجعلان، وإن كان لا مخلوق إلا والرب خالقه، وفي ذلك ورد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح: «تباركت وتعاليت، والخير في يديك، والشر ليس إليك» [أخرجه مسلم]، ومعناه - والله أعلم - والشر ليس مما يضاف إليك إفرادا وقصدا حتى يقال لك في المناداة: يا خالق الشر أو يا مقدر الشر، وإن كان هو الخالق والمقدر لهما جميعا، ولذلك أضاف الخضر عليه السلام إرادة العيب إلى نفسه فقال فيما أخبر الله تعالى عنه في قوله: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [سورة الكهف، الآية: 79]، ولما ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير