تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [سورة الكهف، الآية: 82]، ولذلك قال مخبرا عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [سورة الشعراء، الآية: 80]، فأضاف المرض إلى نفسه والشفاء إلى ربه، وإن كان الجميع منه جل جلاله". اهـ

وقال البيهقي، رحمه الله، في "معرفة السنن والآثار":

"وروينا عن النضر بن شميل، أنه قال في قوله: «والشر ليس إليك: تفسيره: الشر لا يتقرب به إليك» وقال المزني: مخرج هذه الكلمة صحيح، وهو موضع تعظيم، كما لا يقال: يا خالق العذرة، وكذلك لا يقال: يا خالق الخنزير، ولا ينبغي أن يضاف إليه التقصير". اهـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وهو المحمود على ذلك كله فيستحيل إضافة الشر إليه، وتحقيق ذلك أن الشر ليس هو إلا الذنوب وعقوباتها كما فى خطبته صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا"، فتضمن ذلك الاستعاذة من شرور النفوس ومن سيئات الأعمال وهى عقوباتها. وعلى هذا فالإضافة على معنى "اللام" من باب إضافة المتغايرين، أو يقال: المراد السيئات من الأعمال، فعلى هذا الإضافة بمعنى: "من" وهى من باب إضافة النوع إلى جنسه، ويدل على الأول قوله تعالى: {وَقِهِمُ السّيّئَاتِ وَمَن تَقِ السّيّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ} [غافر: 9].

قال شيخنا، (وهو ابن تيمية رحمه الله): وهذا أشبه أنه إذا أريد السيئات من الأعمال، فإن أريد ما وقع منها فالاستعاذة إنما تكون من عقوباتها، إذ الواقع لا يمكن دفعه وإن استعاذه منها قبل وقوعها لئلا تقع فهذا هو الاستعاذة من شر النفس. وأيضاً فلا يقال في هذه التى لم توجد بعد سيئات أعمالنا فإنها لم تكن بعد أعمالاً فضلاً عن أن تكون سيئات، وإضافة الأعمال إلينا تقتضى وجودها إذ ما لم يوجد بعد ليس هو من أعمالنا إلا أن يقال: من سيئات الأعمال التى إذا عملناها كانت سيئات.

ولمن رجح التقدير الثاني أن يقول: العقوبات ليست لجميع الأعمال، بل للمحرمات منها، والأعمال أعم وحملها على المحرمات خاصة خلاف ظاهر اللفظ، بخلاف ما إذا كانت الإضافة على معنى: "من" فتكون الأعمال على عمومها والسيئات بعضها، فتكون السيئات على عمومها". اهـ

فالشر ليس هو إلا الذنوب وعقوباتها، فهي شر في نفسها، شر باعتبار ما يتولد منها من شؤم العقوبة في الدنيا بآثار المعصية التي لا تخفى على أصحاب البصائر فلها شؤم في الوجه شؤم في الهمة النفسانية، شؤم في القوة البدنية، وشؤم العقوبة في الآخرة، تأويلا لما سطر في الكتاب الأول من إيجاب العقوبة على ذلك العاصي، فلا مبدل لكلمات الرب الكونية بهداية فلان فضلا أو إضلال فلان عدلا.

فتكون الإضافة في: "سيئات أعمالنا": على تقدير اللام: فهي سيئات لأعمالنا، أي: عقوبات لها نستعيذ من شؤمها في الدارين، فإنها مانعة من طاعة مستجلبة لمعصية أخرى زيادة في الشؤم إن لم يتدارك الرب، جل وعلا، بفضله، فيوفق إلى توبة ترفع أثرها فيطهر المحل ويصير أهلا للطاعة، فهي من الطهر بمكان فلا تقبل الحلول في محال القذر والنجاسة. فتضمن اللام معنى الاختصاص باعتبار العقوبات مختصة بالمعاصي، فالمعاصي سبب العقوبة العاجلة فشؤم المعاصي أمر يظهر أثره في الأبدان ضعفا وسوادا في الوجه وبغضا في قلوب الناس بل وجده بعض الصالحين في خلق المراة وسلوك الدابة، وهي سبب للعقوبة الشرعية الآجلة وهي أعظم خطرا وشؤما، فدوران الشؤم دينا ودنيا دائر مع المعصية وجودا وعدما فهي علته على حد ما قرر الأصوليون في مبحث العلة.

أو على معنى: "من": فتكون الإضافة بيانية جنسية، فيؤول المعنى إلى: السيئات من الأعمال، فالسيئات نوع من جنس ما أضيفت إليه، إذ العمل جنس كلي يندرج تحته: الحسن والسيئ والمباح الذي لا يوصف لذاته بحسن أو سوء، وتحت كل نوع أفراد لا تحصى، فأفعال العباد قد بلغت من التنوع تبعا لتنوع إراداتهم وأديانهم وأخلاقهم وأبدانهم ....... إلخ: ما الله به عليم.

ويشهد للوجه الأول قوله تعالى: (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير