تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم جاء الرد من الرب، جل وعلا، وهو محل الشاهد: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ: فهو استفهام تقريري، إذ دخلت أداة الاستفهام على النفي فقلبت معناه، إذ نزلت منزلة النفي، فنفت النفي فآل المعنى إلى الإثبات تقريرا، فالرب، جل وعلا، أعلم بالشاكرين الذين يقدرون على كلفة هذا الوحي من امتثال ظاهر وباطن، فهم شاكرون له، على حد ما تقدم، من عموم معنى الشكر لأعمال القلب واللسان والجوارح، فلا يسوي الله، عز وجل، بينهم وبين الجاحد الذي علم الحق فأعرض عنه حسدا واستكبارا وأنفة ألا يختص هو به، فهو يقترح على ربه، عز وجل، ويستدرك عليه إذ وهب نعمته غيره، وذلك مسلك إبليسي قل أن تسلم منه نفس حال مطالعة النعمة: دينية كانت أو دنيوية، إذ النفس قد جبلت على الشح وحب الاستئثار بكل خير، فتغضب إن لم تنل منه حظا وإن لم تكن له أهلا.

فشيخهم إبليس قد نفس على آدم، عليه السلام، تكريمه عليه بأن أمر بالسجود له، فكذلك أولئك نفسوا على المؤمنين أن سبقوهم إلى الهدى وهم أرق منهم حالا، بل لا وجه للمقارنة بين دنيا أولئك وقد بلغت أوجها، ودنيا أولئك وهي دونها بكثير فصارت الفجوة الرقمية!، كما يقال في زماننا، سببا في حدوث فجوة دينية، إذ صير أولئك تكنولوجيا العصر معيارا يقاس به أمر الشرع قبولا أو ردا، فمن كان ذا تكنولوجيا أدق فهو أحق بالاتباع!.

فالإبليسية يقدحون في الشرع برأيهم فإذا ورد أمر الشرع عارضوه بقياس عقلهم، فإبليس يأبى السجود لقياس فاسد نتيجته أن مادته النارية أشرف من مادة آدم، عليه السلام، الطينية، والغرب النصراني يأبى الخضوع لمقررات النبوة التي خضع لها الشرق، لأن مادته التكنولوجية أرقى، فذلك معياره، فضلا عما ابتلي به مما يصفه بعض الفضلاء المعاصرين بأنه: "تمركز حول الذات"، فهو لا يرى في الوجود غيره، ولا فلك له يدور فيه إلا فلك حظوظه النفسانية ولو خالفت الشرائع السماوية، وتلك سيادته للكون، بزعمه، التي عارض بها سيادة الشرع المنزل، فتولد من فساد سيادته ما قد علم، وتولد من سيادة الشرع ما قد علم من صلاح الحال، فهو مادة: صلاح الدين والدنيا، والماضي والحاضر شاهد عدل على ذلك، فلا يكون ازدهار إنساني بكل مناحيه الروحية والمادية إلا في ظلال النبوة، بخلاف ازدهار الغرب المعاصر فهو ازدهار مدني شاركهم فيه من لا يقر بوجد الإله الحق، جل وعلا، أصلا، بل فاقهم، أو سيفوقهم وفق التوقعات المرئية.

والله أعلى وأعلم.

ـ[ابن جامع]ــــــــ[13 - 01 - 2010, 06:42 م]ـ

كلامٌ عالٍ.

لك التقدير، على الانتقاء.

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 01 - 2010, 08:42 ص]ـ

جزاك الله خيرا أخي ابن جامع وشكر لك المرور والتعليق.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فأخبر سبحانه أنه أعلم بمن يعرف قدر هذه النعمة ويشكره عليها. فإن أصل الشكر هو الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع له والذل والمحبة، فمن لم يعرف النعمة، بل كان جاهلاً بها لم يشكرها، ومن عرفها ولم يعرف المنعم بها لم يشكرها أيضاً، ومن عرف النعمة والمنعم لكن جحدها كما يجحد المنكر لنعمة المنعم عليه بها فقد كفرها، ومن عرف النعمة والمنعم وأقر بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ويحبه ويرض به وعنه لم يشكرها أيضاً، ومن عرفها وعرف المنعم بها وأقربها وخضع للمنعم بها وأحبه ورضى به وعنه واستعملها فى محابه وطاعته فهذا هو الشاكر لها. فلا بد فى الشكر من علم القلب، وعمل يتبع العلم - وهو الميل إلى المنعم ومحبته والخضوع له - كما فى صحيح البخارى عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَيِّدُ الاسْتِغْفَار أَنْ يَقُولَ العَبْدُ: اللَّهُم أَنْتَ رَبِّى لا إلَهَ إِلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِى وأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَي، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ، مَنْ قَالَهَا إِذَا أَصْبَحَ مُوقِناً بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ومن قالها إذا أمسى موقناً بها فمات من ليلته دخل الجنة، فقوله: "أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَي" يتضمن الإقرار والإنابة إلى الله

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير