تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 01 - 2010, 09:31 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وذكر النعمة والذنب لأن العبد دائماً يتقلب بينهما، فهو بين نعمة من ربه وذنب منه هو، كما فى الأثر الإلهي: (ابنَ آدم خيري إليك نازل، وشرك إلي صاعد، كم أتحبب إليك بالنعم وأنا غني عنك، وكم تتبغض إلي بالمعاصي وأنت فقير إلي ولا يزال الملك الكريم يعرج إلي منك بعمل قبيح) ". اهـ

ص118.

فالأثر الإلهي الذي ذكره ابن القيم، رحمه الله، على كلام في إسناده، فيه ما يدعو إلى التأمل لفظا ومعنى، فخير الرب نازل، فهو العلي، تبارك وتعالى، بذاته وأسمائه وصفاته، ينزل الخير منه عاما قد استغرق كل أجناسه فينزل الخير الديني من شرائع محكمات والخير الكوني، وتحت هذين الجنسين ما لا يحصى من الأنواع، فتحت جنس الخير الديني: نوعا: الواجب والمندوب، وتحت نوع الواجب أفراد من مكتوبات في الصلوات والزكوات ..... وتحت الواجب في كل أنواع من مكتوبات ونذر ..... إلخ، وتحت المكتوب أفراد من: فجر وظهر وعصر ....... إلخ، وتحت المندوب أنواع من رواتب ومطلقات ...... إلخ، وتحت الرواتب أفراد معروفات ........... إلخ، وهكذا يتعدد جنس الخير النازل من الرب الشارع، عز وجل، فكلها أصول للحسنات، يتفرع عنها من الأعمال ما تحصل به لذة الروح في الدار الأولى ونجاتها في الدار الاخرة، فهي نعمة عاجلة وآجلة، على وزان ما تقدم من كون التكليف لمن تأمله: لذة باعتبار ما يحصل بعده من سكينة وطمأنينة وفرح بالطاعة على حد الشكر لا البطر والأشر، فليس ذلك مما يلج به العبد على ربه، فإن الولوج على ملوك الدنيا يتطلب أدبا قد يصل بصاحبه إلى الذلة والتملق، فكيف بالدخول على رب البشر، جل وعلا؟!، كيف لا تكون أعظم صور الذلة والانكسار والتملق واجبة له؟!، وكيف يستكبر العبد عن السجود بين يديه وهو يسجد بقلبه وربما ببدنه لغيره عشرات المرات ياليوم والليلة فقلبه ساجد لصورة محرمة، أو مال مكتنز، أو ولد، أو قطيفة، أو أرض، أو زرع .......... إلخ، فقد عوقب بالإعراض عن ربه أن ترك الانطراح بين يديه، فإذا به ينطرح بين يدي خلق من خلقه، فإن قلبه حساس متحرك، لا بد له من مألوه محبوب، فإن لم يعرف الإله الحق الذي بالتأله له صلاح قلبه وزكاء بدنه، إن لم يعرفه تاه في أودية التأله الباطل الذي به تحصل لذة التعبد الآنية ثم تعقبها حسرة الإعراض عن طريق الهجرة إلى رب البرية، فإذا الشهوة العارضة قد تزخرفت، فمال إليها القلب وانجذب، فقطعته عن السير إلى المطلوب الأسمى بصرفه إلى مطلوب أدنى فيه نوع لذة خادعة سرعان ما ينجلي عنها الغبار ليدرك الراكب أفرس تحته أم حمار؟!، فهي طعم به يصطاد إبليس فرائسه فيلقي الشهوة أو الشبهة ليصطاد بها قلبا مريضا لم يستشف بأدوية النبوات الناجعة، أو عقلا تائها لم يستفد من علم النبوات ما يحصن به خواطره من الوساوس الردية، فذاك قد أتاه الشيطان من قبل عمله، وهذا قد أتاه الشيطان من قبل علمه، فالأول لا حظ له من أعمال النبوات، والثاني لا حظ له من علومها، والمسدد من جمع العمل إلى العمل فهو برهانه الصادق فصحح أول المنازل بعقد إيمان خالص ولا يكون ذلك إلا على ما جاءت به النبوات من محكم معاني الإلهيات، فلا يشغل ذهنه بكيف، وإنما هو قد تعلق بالمعاني الجامعات لأوصاف كمال رب الأرض والسماوات فاستحضر معاني الجلال فرهب وكف، فذلك من تخلية المحل من الآفات، فطهرت أرض القلب من دنس الشرك فصارت معدن شجر طيب وثمر نافع فإن لاحت في سمائها سحب النبوات أنزلت عليها ماء الحياة فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج فأنبتت تصورا سليما وإرادات خير لا تنقضي واحدة إلا ويعقبها غيرها، على حد التسلسل في مفعولات القلب الشريفة فصاحبها من أصحاب الهمم الرفيعة التي لا ترضى بالأحوال الدنية، فلا تنقطع إلى أن ينقطع التكليف، بل يبقى أثرها بعد رحيل الروح إلى لقاء الرب، جل وعلا، وانتهاء سفر الهجرة إليه فإذا مات ابن آدم: "انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ"، وإن الذي أحيى تلك القلوب بروح الوحي لمحيي الأبدان ابتداء بمباشرة مادة الحياة في النطف لأسباب الصلاح فتسلك ما قد قدر لها الرب،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير