تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فكيف بذلك الرب، تبارك وتعالى، الذي وصفه ما تقدم من الكمال والغنى المطلق، كيف وهو يرزق أولئك بل يزيدهم توفية لهم لما كتبه على نفسه من الرحمات الكونية بهم، بل والرحمات الشرعية ولو ببيان طريق الهداية لهم وليس لهم من ذلك شيء استحقاقا بل هو محض فضل الرب الكريم، جل وعلا، أو استدراجا بتوالي النعم وتكثيرها مع توالي المعاصي وزيادة البعد عنه، عز وجل، فله في الإعطاء حكمة وفي المنع حكمة، فكيف بوصف كماله، وهو يرزق بل ويغدق على من ليس أهلا لنعمه لولا أن قضى له بها بفضله، كيف يسوى بينه وبين المخلوق الضجر الذي يرضى فيعطي عطاء مجذوذا، ويسخط فيمنع إذ قد جبل على الشح وحب الذات وعدم التفريط في حظ النفس، فعطاؤه منقطع الزمان محدود الكم مصحوب بالمن والأذى تصريحا أو تلميحا فقل من سلم من تلك الآفة المبطلة للعمل المذهبة لأثره في القلب وثوابه عند الرب، جل وعلا، فلا يسوي بين العطاءين إلا من سوى بين أعظم متباينين فقياسه قد بلغ الغاية من الفساد والبطلان.

وكم تتبغض إلى بالمعاصي: فذلك جار على حد ما تقدم من المقابلة بين السياقين أو الطباق بين ألفاظهما فالعبد قد جمع السوأتين: المعصية والإساءة فإنها قبيحة لو صدرت من غني فكيف إذا صدرت من فقير يفترض فيه الأدب لئلا يتعرض إلى سخط المعطي، جل وعلا، فيمنعه.

ولا يزال الملك الكريم يعرج إلي منك بعمل قبيح:

فذلك من عروج الملك الكريم إلى الرب الجليل الحليم، تبارك وتعالى، وهو أمر قد ثبت في التنزيل المتواتر، في نحو قوله عز من قائل: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)، وفي السنة المطهرة في نحو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ". فالمؤمن ينزه نفسه عن أن يطلع الرب، جل وعلا، منه على أمر قبيح، وينزه الملك الموكل بحفظ الأعمال عن أن يكتب قبيح قول أو فعل، وينزهه، أيضا، عن أن يصعد بذلك القبيح إلى الرب الكامل تبارك وتعالى.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[24 - 01 - 2010, 09:00 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وكان فى زمن الحسن البصرى شاب لا يرى إلا وحده فسأله الحسن عن ذلك فقال: إنى أجدني بين نعمة من الله وذنب منى فأريد أن أُحدث للنعمة شكراً وللذنب استغفاراً، فذلك الذي شغلني عن الناس أو كما قال. فقال له: أنت أفقه من الحسن". اهـ

ص119.

فلا ينفك العبد عن هذين الحالين، بل لا ينفك، كما تقدم، عن عبودية في كل لحظة من لحظات تكليفه فمن وضع القلم العمري من حين البلوغ إلى حين الموت، ومن وضع القلم اليومي من حين اليقظة إلى حين النوم، من تلك إلى تلك: لا ينفك العبد عن عبودية شكر على نعمة، أو حمد على ابتلاء، هو في حقيقته لمن سدد فتدبر فصبر نعمة آجلة، أو استغفار لذنب، وما أكثر الذنوب التي حملت ذلك الفقيه المسدد على الاعتزال على رسم السنة، فلم تكن عزلته: على رسم البدعة، فإن المعتزل المسدد هو الذي يتفقه ثم يعتزل، قإن لم يكن من العزلة بد، فمن الخذلان أن تعتزل جاهلا، بل طلب العلم على المعتزل آكد ليعصمه من وساوس الشيطان الذي يجد في المعتزلين فرائس سهلة، فما خرجت الخوارج إلا برسم اعتزال الجماعة، لضيق أفق وعطن فكر، وذلك حد الغالي في دين الله، عز وجل، في كل عصر ومصر، فإنه لا يصبر على إنكار المنكر، ولو أدى ذلك إلى تولد منكر أعظم، فإن انتحل مقالة علمية أو طريقة عملية فإنه يوالي ويعادي عليها فلا يحتمل خلافا، ولو كان سائغا، فيقدم المصلحة الصغرى في تحرير مسألة خلافية على المصلحة العظمى في التئام شمل الجماعة المسلمة فيهدر الكلي تحصيلا للجزئي، ويعقد لواء الولاية والعدواة لغير المقالة الأولى، بل لمقالة حادثة، أو مسألة فرعية تحتمل الخلاف، فينتصر لما يهواه أو يعتقده حقا إن كان صادقا، وهذا رسم كل ذي بدعة، فإنه يستحل من المخالف ما قد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير