تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تواتر في مسالك أهل البدع قديما وحديثا، لا سيما البدع العلمية المغلظة، فإنه بعظم الافتراق بين المقالة الحادثة والمقالة القديمة التي بعث بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكون عظم الولاء والبراء عليها، فتشتد العداوة كلما ابتعد صاحب المقالة عن الأصل الأول، فخلاف الفروع على ما وقع فيه من التعصب الأعمى بين المتأخرين من أتباع المذاهب الذين انتسبوا للأئمة الأعلام اسما بلا وصف، أهون من الخلاف في الأصول العلمية، والخلاف في الأصول العلمية دركات من التعصب، فليس الخلاف مع الذي لا تخرجه مقالته عن دائرة الإسلام كالمعتزلة والمتكلمين والزيدية وعوام الإمامية الذين لا يقولون بمنطوق كتب المذهب من غلو يصل إلى حد خلع أوصاف الربوبية على الأئمة، رضي الله عنهم، ليس الخلاف مع أولئك كالخلاف مع المنتسبين إلى الإسلام وقد مرقوا منه بالكلية كغلاة الجهمية والفلاسفة والإسماعيلية والدروز والنصيرية والبهائية فأولئك قد نقضوا بمقالتهم أصل الإسلام، فلم يبق لهم منه إلا النسبة التعريفية فيقال: فلاسفة الإسلام تمييزا لهم عن فلاسفة اليونان، والشاهد أن لكل مقام معلوم، فلا يستوي المخالفون لأهل السنة بل لكل حظه من الولاء بقدر قربه من الإسلام والسنة، وحظه من البراء بقدر بعده عنهما، بل ذلك جار حتى مع أصحاب الملل الأخرى فإن النصراني مع عظم محادته للمسلم والتي تصل غالبا إلى حد سفك الدم وانتهاك العرض إذا تمكن منه، والتاريخ الحديث في البلقان والقفقاز وبلاد الأفغان والعراق ونيجيريا أخيرا خير شاهد على ذلك، إلا أنه أقرب إلى الإسلام من اليهودي، وأهل الكتاب عموما أقرب من غيرهم، ومن أقر بوجود المعبود، جل وعلا، ولو لم يعرف من وصفه الذي جاءت به النبوات شيئا خير من الملحد، بل داخل الدائرة الصغرى: دائرة السنة: لا يستوي الطائع والعاصي فللأول وإن بعدت داره ما ليس للثاني وإن قربت داره، بل لو وجد طائعان متفاوتان في الطاعة لوجب لأعظمهما طاعة واستقامة من الولاء والمحبة ما ليس للثاني، وإن كانا جميعا على حد المحبة، فهي كالجنس الذي يتفاوت أفراده تبعا لتمكنهم من أوصافه القياسية، فللإيمان أوصاف قياسية يتفاضل فيها الناس على حد المشكك الذي يتفاوت أفرادة في شده الوصف، فبين المؤمنين من التفاضل في الإيمان مع اشتراكهم في مطلقه ما لا يحصيه إلا الرب، جل وعلا، فتفاوتهم فيه كتفاوت أعيانهم وإن اشتركوا في مطلق الإنسانية.

وفي المقابل، كما اطرد في أي خلق إنساني، يوجد على الطرف الآخر، من فرط في هذه المسألة، فسهل عليه قبول أي خلاف، ولو غير سائغ، بزعم توحيد الكلمة، والكلمة لا تتوحد إلا إذا كانت في نفسها واحدة، فإنك قد تستطيع جمع الأبدان في مجلس واحد، يغلب عليه الطابع الدبلوماسي البارد، كما في مؤتمرات التقريب بين الأديان والمذاهب، فكل قد حسم أمره قبل أن يأتي فلا يوجد حوار أصلا، وإنما ابتزاز للطرف الآخر ليقدم رسوم التطبيع الكامل مع الآخر!، على طريقة الساسة في مقابل اعتراف باهت بأن الطرف الآخر: جيد أو حسن أو مقبول!، ولكنه ليس على الحق بل ليس على حد الرسالة السماوية، إن كان الحوار بين الأديان، فغاية مقالته أن تكون كأي حركة إصلاحية أرضية قادها مصلح عظيم لا نبي يوحى إليه فالاعتراف بذلك إبطال لمقالتهم، لأن إثبات النبوة له صلى الله عليه وعلى آله وسلم إثبات لعصمته في التبليغ، وقد بلغ رسالته عالميةً، فلزم من صدق بنبوته أن يصدق بعالميتها فلزمه اتباعها من هذا الوجه واتباعها لا يكون إلا بهجر مقالة التابع إن كانت صحيحة فالرسالة الخاتمة قد نسختها ولا يجوز التعبد بالمنسوخ ولو في شرعة واحدة فكيف ومقالته باطلة قد دخلها التبديل والتحريف حتى خرجت عن حد التوحيد: دين الرسل الجامع، فلا تحصل بها نجاة ابتداء ولو بلا معارض، فكيف وقد وجد المعارض، بل كيف وهو معارض يرجع الأمر إلى أصله الأول: أصل التوحيد الجامع الذي بعثت به الرسل عليهم السلام تقويما لما اعوج وتفصيلا لما أجمل فضلا عن قيام الأدلة النقلية والعقلية التي تجعل الناظر فيها بعين الإنصاف يجزم بصحة الدعوى وصدق مدعيها صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟!، فلا عجب أن يأبى القوم الاعتراف بذلك أشد الإباء لعلمهم بما يلزم من ذلك الاعتراف من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير