إبطال رسوم دينهم المبدل جملة وتفصيلا.
وهو ليس على الإيمان أصلا، إن كان الحوار بين المذاهب، فغايته أن يوصف بالإسلام، مع الجزم بهلاكه إذ لم يصل إلى مرتبة الإيمان التي وضع لها منظرو المذهب أركانا من عندهم لم يشهد لها نقل أو عقل بل يلزم منها نفي الإيمان عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ لم ينتحل في نفسه ما انتحلوا، ولم يدع غيره إلى ما دعوا.
فمسائل الخلاف، وحدوده وما يسوغ منه وما لا يسوغ، والإنكار على المخالف ومجاهدته باليد واللسان والقلب وهجرانه، ومراتب ذلك، ومتى يكون الإنكار واجبا ومتى يكون محرما ............. إلخ من أدق المسائل في هذه الشريعة المحكمة، وهو كما تقدم في أكثر من مناسبة، لب الرسالات وزبدتها.
يقول ابن تيمية، رحمه الله، في قاعدة جامعة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
"وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات او تزاحمت فانه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد وتعارضت المصالح والمفاسد فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورا به بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها وإلا اجتهد رأيه لمعرفة الأشباه والنظائر وقل أن تعوز النصوص من يكون خبيرا بها وبدلالتها على الأحكام". اهـ
"الاستقامة"، ص456.
فذلك أمر، كما تقدم في أكثر من موضع، لا يدركه إلا آحاد المسددين ممن امتن الباري، عز وجل، عليهم، بمعرفة طرائق النبيين فسلكوها برسم الاقتداء فهو أعلم الناس بموازينها وأقدر الناس على استعمالها.
فمن أراد الهجر فليهجر على رسم الديانة لا على رسم الهوى، ومن أراد الاعتزال ليكفي الموحدين أذاه ويكفي نفسه ما قد يناله منهم، فليتفقه أولا، ليأمن مكائد الشيطان، ثم ليعتزل ثانيا متأولا: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ"، وليس الدواء الواحد ملائما لكل داء، بل لكل نفس ما يلائمها، فالعزلة قد تكون مصلحة لزيد مفسدة لعمرو، فيؤمر بها الأول وينهى عنها الثاني، والرب، جل وعلا، قد نوع في الأخلاق النفسانية كما قد نوع في الهيئات الجسدية مئنة من عموم قدرته على خلق الأضداد لتتدافع الأبدان والأديان والأخلاق فتظهر آثار حكمته، جل وعلا، في خلقه.
فما كان من الحسن، رحمه الله، إلا أن قال له: أنت أفقه من الحسن!. وذلك مستبعد ولكنه من تقدير الحسن، رحمه الله، لإخوانه، وهضمه لنفسه، فهو سيد التابعين على اختيار أهل البصرة، وهي شهادة من أهل البلد لبلديهم، وليسوا بمتهمين لكمال حاله وعظم فضله، وإن لم يسلم بذلك من قدم سعيد بن المسيب، رحمه الله، كالإمام أحمد، رحمه الله، وهو عراقي يشهد لمدني بالتقدم، فشهادته لسعيد، رحمه الله، أقوى من شهادة أهل البصرة للحسن رحمه الله.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 01 - 2010, 08:44 ص]ـ
ولو كان الحسن أفقه من ذلك الشاب يقينا، فإنه لا يمتنع أن يرد على المفضول الأدنى ما يجعله في مسألة بعينها، أو حال بعينها، أفضل من الفاضل الأعلى، ولا يقدح ذلك في تقدم الفاضل فإنه مفضل باعتبار عموم الأحوال، فتفضيله من باب تفضيل الجنس على الجنس فلا يمنع ذلك من تقدم فرد من أفراد الجنس الأدنى على فرد من أفراد الجنس الأعلى، وإن كان الفاضل، كما تقدم، مقدما في عموم الحال، وذلك أمر لا يكون في حق الأنبياء عليهم السلام مع أتباعهم، فإن للأنبياء مقاما لا يبلغه الأتباع، فلا يتصور أن يكون حال تابع النبي أكمل من حاله، فلا يكون الصديق، رضي الله عنه، أفضل من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أي حال علمي أو عملي، مع كونه أفضل هذه المة، بل أفضل أتباع الأنبياء عليهم السلام، ولكن مرتبة الصديقية لا تقوى على مزاحمة مرتبة النبوة.
¥