تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكان حال رسول الله أكمل من حاله ومقامة أعلى من مقامه ولم يكن الأمر كما ظنه بعض الجهال أن حال أبي بكر أكمل نعوذ بالله من ذلك ولا نقص في استغاثة النبي صلى الله عليه وسلم ربه في هذا المقام كما توهمه بعض الناس وتكلم ابن عقيل وغيره في هذا الموضع بخطل من القول مردود على من قاله بل كان رسول الله صلى الله عليه جامعا كاملا له من كل مقام ذروة سنامه ووسيلته فيعلم أن الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابا قدح في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع ويعلم أن عليه أن يجاهد المشركين ويقيم الدين بكل ما يقدر عليه من جهاده بنفسه وماله وتحريضه للمؤمنين ويعلم أن الاستنصار بالله والاستغاثة به والدعاء له فيه أعظم الجهاد وأعظم الأسباب في تحصيل المأمور ودفع المحذور ........... والقلب إذا غشيته الهيبة والمخافة والتضرع قد يغيب عنه شهود ما يعلمه ولا يمنعه ذلك أن يكون عالما به مصدقا له ولا أن يكون في اجتهاد وجهاد بمباشرة الأسباب ومن علم أنه إذا مات يدخل الجنة لم يمنع أن يجد بعض ألم الموت والمريض الذي إذا أخبر أن في دوائه العافية لا يمنعه أن يجد مرارة الدواء فقام مجتهدا في الدعاء المأمور به وكان هو رأس الأمر وقطب رحى الدين فعليه أن يقول بأفضل مما يقوم به غيره.

وذلك الدعاء والاستغاثة كان أعظم الأسباب التي نزل بها النصر ومقام أبي بكر دون هذا وهو معاونه الرسول والذب عنه وإخباره بأنا واثقون بنصر الله تعالى والنظر إلى جهة العدو وهل قاتلوا المسلمين أم لا والنظر إلى صفوف المسلمين لئلا تختل وتبليغ المسلمين ما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحال ولهذا قال تعالى: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} وأخبر تعالى أن الناس إذا لم ينصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار وهذه الحال كان الخوف فيها على النبي صلى الله عليه وسلم دون غيره ........ والوزير مع الأمير له حال وللأمير حال". اهـ بتصرف

فالأمير يباشر من التكليف ما لا يباشره الوزير لعظم الأمانة، فليست الإمارة مغنما بل هي لمن تأملها مغرم فر منه الصالحون فرار الصحيح من المجذوم، ولم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوما ما قبل مبعثه متشوفا إلى هذا الأمر: (وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ)، وإنما كلف به على حد الإيجاب: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ)، فالأمر يفيد الوجوب ولا صارف له عنه بداهة!، إذ النبوة تكليف لا يقبل الرد واصطفاء لا يقبل النيابة، فقام به صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أكمل وجه، فما ترك من خير علمي أو عملي إلا وقد دل عليه، وما ترك من شر علمي أو عملي إلا وقد حذر منه.

وقل مثل ذلك في حاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم قبض إبراهيم فبكى مع تمام الرضا فاحتمل قلبه المقامين: الرضا والرحمة، وحال الفضيل، رحمه الله، يوم قبض ابنه فضحك نغريما للشيطان ولم ير ضاحكا قبلها أو بعدها!، فلم يحتمل قلبه إلا مقام الرضا، فحال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الموضع أكمل من حال الفضيل، وعمله أصوب من عمل الفضيل، فمرتبة النبوة كما تقدم: قد جاوزت قنطرة التفاضل، إلى ضفة الفضل المطلق في كل الأحوال العلمية والعملية.

ففي جانب العلم وهو قرين العمل بل المقدم عليه فكان حقه التقديم في هذا الموضع: لا يتصور تقدم غيره صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليه، فليس المؤيد بالإلهام، وإن كان محدثا عمريا، كالمؤيد بالوحي، فإن الأمة تستغني بالوحي ولا تستغني بالإلهام، فالإلهام درجة علمية رفيعة، ولكنها ليست على حد العلم اليقيني كعلوم النبوات فيلزم المحدث أن يعرض ما قد حدث به على الوحي، فهو ميزان الأقوال والأعمال الدقيق، فلا يقبل منها إلا ما رجح ميزانه فثقلت به كفة ميزان الوحي، فعصمة المحدث من غيره، فلا يكون حكمه صائبا إلا إذا وافق حكم الوحي، ولذلك كان من فضائل عمر، رضي الله عنه، موافقته للوحي في مسائل لا استقلاله بمعرفتها ابتداء فإن قوله لم يصر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير