أن يراد بها وجه الله وأن تكون موافقة للشريعة فهذا في الأقوال والأفعال، في الكلم الطيب والعمل الصالح، في الأمور العلمية والأمور العملية العبادية". اهـ
"الاستقامة"، ص505.
ويقول في موضع تال:
"إن دين الله الذي أنزل به كتبه وبعث به رسله هو: إرادة الله وحده بالعمل الصالح.
وهذا هو الإسلام العام الذي لا يقبل الله من أحد غيره، قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
وقال تعالى: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم * إن الدين عند الله الإسلام).
والإسلام يجمع معنيين:
أحدهما: الاستسلام والانقياد فلا يكون متكبرا.
والثاني: الإخلاص من قوله تعالى: (ورجلا سلما لرجل) فلا يكون مشتركا، وهو أن يسلم العبد لله رب العالمين كما قال تعالى: (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين * إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين * ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وانتم مسلمون)، وقال تعالى: (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين * قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) ". اهـ
بتصرف من: "الاستقامة"، ص507، 508.
وصنف تعلمه ليضل الناس عنه بتتبع متشابهه والإعراض عن محكمه كحال أغلب أهل الأهواء من أهل البدع والمستشرقين والعلمانيين ........ إلخ ممن ابتلي بهم أهل الإسلام ليعلم من يصغى إليهم تأويلا لقوله تعالى: (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ)، ومن يعرض عنهم تأويلا لقوله تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
يقول ابن القيم رحمه الله:
"فالله سبحانه أعلم حيث يجعل رسالاته أصلاً وميراثاً فهو أعلم بمن يصلح لتحمل رسالته فيؤديها إلى عباده بالأمانة والنصيحة وتعظيم المرسل والقيام بحقه والصبر على أوامره والشكر لنعمه والتقرب إليه، ومن لا يصلح لذلك. وكذلك هو سبحانه أعلم بمن يصلح من الأُمم لوراثة رسله والقيام بخلافتهم وحمل ما بلغوه عن ربهم.
قال عبد الله بن مسعود: إن الله نظر فى قلوب العباد فرأى قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب أهل الأرض فاختصه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد فرأى قلوب أصحابه خير قلوب العباد فاختارهم لصحبته.
وفي أثر بني إسرائيل أن الله تعالى قال لموسى: أتدري لم اخترتك لكلامي؟ قال: لا يا رب. قال: إني نظرت فى قلوب العباد فلم أر فيها أخضع من قلبك لي. أو نحو هذا". اهـ
ص120.
فيعلم حيث يجعل رسالته أنبياء وأتباعا، فلا يختار إلا صفوة البشر ليلقي إليهم الروح من كلماته الشرعيات، ولا يختار لهم إلا أتباعا هم خير طباق البشر بعد النبيين، فمرتبتهم مرتبة الصديقين، وإن تفاوتوا في الصديقية، فهم في جملتهم أشرف أجناس البرية بعد الأنبياء والمرسلين، وفي ذلك رد جامع لكل ذام أو قادح في أتباع الأنبياء عليهم السلام، فأتباع موسى عليه السلام أفضل طباق اليهود، وأتباع عيسى عليه السلام من الحواريين أفضل طباق النصارى، وأتباع النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفضل طباق المسلمين، بل أفضل طباق أهل الأرض أجمعين بعد الأنبياء والمرسلين فأفضليتهم على سائر الأتباع فرع عن أفضلية النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على سائر الأنبياء.
يقول ابن القيم رحمه الله:
"فالرب سبحانه إذا علم من محل أهلية لفضله ومحبته ومعرفته وتوحيده حبب إليك ذلك ووضعه فيه وكتبه فى قلبه ووفقه له وأعانه عليه ويسر له طرقه وأغلق دونه الأبواب التى تحول بينه وبين ذلك، ثم تولاه بلطفه وتدبيره وتيسيره وتربيته أعظم من تربية الوالد الشفيق الرحيم المحسن لولده الذى هو أحب شيء إليه، فلا يزال يعامله بلطفه ويختصه بفضله ويؤثره برحمته ويمده بمعونته ويؤيده بتوفيقه ويريه مواقع إحسانه إليه وبره به، فيزداد العبد به معرفة وله محبة وإليه إنابة وعليه توكلاً، ولا يتولى معه غيره ولا يعبد معه سواه". اهـ
ص120، 121.
فذلك من التيسير لكل مخلوق إلى ما له قد خلق، فإذا كان المحل ذا أهلية قبل آثار مادة الوحي الإيمانية، من الإرادات والأقوال والأعمال، فصار قلبا وقالبا، علما باطنا وعملا ظاهرا، خبرا وحكما، سياسة وخلقا، على منهاج النبوة، فله، كما تقدم في مواضع سابقة، من تركة: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ): نصيب بقدر التعصيب فليست عصبة الدرجة العليا من الصحب والآل، رضي الله عنهم، والأتباع وتابعيهم كعصبة الدرجة الدنيا ممن جاء بعدهم من الخلف المتأخرين، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
والله أعلى وأعلم.
¥