تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 01 - 2010, 08:33 ص]ـ

ومن علامات السداد: أن يصدق العمل العلم، والمقال الحال فذلك حد البلاغة في القول والعمل.

يقول ابن القيم رحمه الله:

"واقتضت حكمة الرب تعالى وجودُه وكرمه وإحسانه أن بذر فى هذا القلب بذر الإيمان والمعرفة. وسقاه ماء العلم النافع والعمل الصالح، وأطلع عليه من نوره شمس الهداية، وصرف عنه الآفات المانعة من حصول الثمرة، فأنبتت أرضه الزاكية من كل زوج كريم، كما فى الصحيح من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللهُ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضاً، فَكَانَ منها طَائِفَة طَيَّبَة قَبِلَت الْمَاء فَأنْبَتَتْ الْكلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا طَائِفَةٌ أَجَادِبُ أَمْسَكَت الماءِ فَسُقِي النَّاسُ وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِي قِيعَانٌ لا تَمْسِكَ مَاءً وَلا تُنْبِتُ كَلأَ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ الله وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسَاً وَلَمْ يَقْبَل هُدَى اللهُ الَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ"

فمثّل القلوب بالأرض التي هي محل النبات والثمار ومثل الوحي الذي وصل إليها من بارئها وفاطرها بالماءِ الذى ينزله على الأرض، فمن الأَرض أرض طيبة قابلة للماءِ والنبات، فلما أصابها الماءُ أنبتت ما انتفع به الآدميون والبهائم وأَقوات المكلفين وغيرهم، وهذه بمنزلة القلب القابل لهدى الله ووحيه المستعد لزكائه فيه وثمرته ونمائه، وهذا خير قلوب العالمين". اهـ

ص121.

فتلك علامات السداد، فإن الأمر جد عسير، فزراعة شجرة الإيمان في القلب ليست بالأمر الهين، فتتطلب جهدا ووقتا فلا ينال هذا الأمر إلا بمداومة الفكر نظرا وتدبرا في الآيات الكونية والشرعية، فيتولد من ذلك من أجناس الصالحات ما يستغرق زمن المكلف فهو بين علم وعمل، وليست كل النفوس تقوى على ذلك، ومنها ما له الاستطاعة الشرعية عليه فآلاته مكتملة وفهمه ثاقب، ولكنه غير مسدد، فاستعمل تلك الآلات في ضد المراد الشرعي من المحرم فعادت وبالا عليه، أو أهدرها في مباحات كأغلب أحوال أهل الدنيا، فلم يكتب الرب، جل وعلا، له الاستطاعة الكونية التي بها يقع الفعل، وإنما منحه الاستطاعة الشرعية التي هي المحل القابل لآثار الوحي، وقطع عنه مادة السداد والتوفيق، فلم ينتفع بتلك القوى، وذلك محض فضله يؤتيه من يشاء ويمنعه من يشاء، بل قد امتن عليه بتصحيح الآلات، ففضل الرب، جل وعلا، عليه كائن في كل الأحوال، أعطى أو منع، فبفضله يكون العطاء وبعدله يكون المنع، ويبقى مدار الأمر على السداد ولوازمه من الإعانة الكونية من إخلاص وصرف للشواغل والآفات التي تعترض نمو تلك البذرة في أرض القلب الزكي وهمة تسمو بصاحبها إلى تحصيل المعالي وغض الطرف بل الترفع عن الدنايا برسم العفة والحشمة وصيانة للنفس أن ينال منها، ولا يكون ذلك إلا بمشيئة الرب، جل وعلا، فأصحاب الآلات العقلية والبدنية كثير، والمسددون الذين اصطفاهم الرب، جل وعلا، لتلك الوظائف الجليلة قليل، وتأمل حال من استعملهم الرب، جل وعلا، في طاعته، وتأمل ما يرد على قلوبهم من عارض الفرح بروح الله، عز وجل، على وزان: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، لا برسم البطر والأشر، وتأمل قلوب الذاكرين وقد شغلت بذكر المحبوب لذاته، جل وعلا، وتأمل شرح صدر من بذل نفسه لإخوانه برسم: "وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ" فهو ساع في قضاء حوائج المسلمين متصدق عليهم بماله ووقته وشفاعاته إن كان من أصحاب الوجاهات، وتأمل حال طلاب العلم إن ظفروا بمسألة تحريرا وتنقيحا بنية بذل العلم لأهله، من أصحاب المحال الزكية والعقول الذكية، تأمل أحوال أولئك تعلم عظم مصيبة أهل الدنيا الذين حجبوا عن تلك الملاذ النفسية التي هي أشرف أجناس اللذة، فلا تعدلها لذة بطن أو فرج، أو وجاهة زائفة أو سلطان زائل، فلا تصمد تلك لتلك، فأين الثريا من الثرى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير