تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فهل يقول عاقل بأن حر الشمس العارض يكافئ ما يتولد من سطوعها من المصالح العظيمة فيكون احتجابها درءا لذلك الأذى العارض خيرا مما يتولد من سطوعها من نمو للنباتات بالتمثيل الضوئي واشتداد للأبدان بما تحفزه أشعتها من توليد مركبات كيميائية نافعة، بإذن الرب النافع الضار جل وعلا، الذي أودع فيها تلك القوى المؤثرة وقضى بحكمته ظهور آثارها النافعة بمباشرة أسباب مقدرة بها ينتظم أمر هذا العالم فهي الناموس الكوني الحافظ له.

والشاهد أنه لا بد من شر جزئي عارض طارئ، قبل ورود الخير الكلي الدائم الباقي، فذلك ما قضى به الرب الحكيم العادل الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هداه لما يلائمه شرعا وطبعا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 02 - 2010, 08:20 ص]ـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"وقد ضرب للنفس الإِنسانية وما فيها من الخير والشر مثل بدولاب أَو طاحون شديد الدوران، أَي شيء خطفه أَلقاه تحته وأَفسده، وعنده قيِّمه الذي يديره وقد أَحكم أَمره لينتفع به ولا يضر أَحداً، فربما جاءَ الغر الذي لا يعرف فيتقرب منه فيخرق ثوبه أوبدنه أَو يؤذيه، فإذا قيل لصاحبه: لم لم تجعله ساكناً لا يؤذي من اقترب منه؟ قال: هذه الصفة اللازمة التي كان بها دولاباً وطاحوناً، ولو جعل على غير هذه الصفة لم تحصل به الحكمة المطلوبة منه". اهـ

ص129.

فلا يمكن أن تنفك النفس في عالم الشهادة عن وصف الحركة والإحساس، فينال من يقترب منها من آثار تلك الحركة خيرا أو شرا ما يدل على حياتها، فإنها لا تسكن إلا ساعة الموت: سواء أكان أصغر أم أكبر، بل الموتة الصغرى فيها من حركة النفس في الرؤى والمنامات ما يفضح مكنون العقل الباطن، فإرادات اليقظة تؤثر في رؤى المنام، فيرى كل راء في النوم ما تعلقت به نفسه في اليقظة، أو يرى صورة علمية تشير إلى حاله، كمالا أو نقصانا، وعليه خرج أهل العلم، رؤية بعض المكلفين لصور علمية منامية للرب، جل وعلا، فتلك الصور ليست هي ذات الرب، جل وعلا، حقيقة، فقد يرى البعض صورة قبيحة، ووصف القبح منتف عن الله، عز وجل، بداهة، بل ذلك من آكد العلوم الضرورية عند أصحاب العقول السوية، وقد يرى البعض صورة حسنة، وتلك، أيضا، ليست حقيقة الذات الإلهية، فالله، عز وجل، لا يرى في عالم الشهادة، ولو مناما، لعموم حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، في وصف الدجال وفيه: "تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ"، فإذا ثبت أن كلا الصورتين ليستا حقيقة الرب، جل وعلا، الذي لا يرى إلا في دار النعيم رؤية تنعم بلا إحاطة لذاته القدسية وصفاته العلية، إذ ثبت ذلك فحمل هذه الصورة على صورة الإيمان العلمية متعين، فيرى المؤمن الطائع صورة حسنة، ليست، كما تقدم، حقيقة الذات الإلهية، بل هي مئنة من كمال إيمانه فحسنها من حسن إسلامه، ويرى الكافر العاصي أو ضعيف الإيمان صورة قبيحة تكون هي الأخرى مئنة من قبح طريقته، وتتفاوت الصور بتفاوت صورة الإيمان العلمية في القلوب، فذلك من الأدلة المشاهدة على تفاوت الناس في الإيمان زيادة أو نقصانا تفاوتا لا يحصيه إلا الرب، جل وعلا، الذي فطر هذه القلوب على طرائق قددا.

والشاهد أن النفس لا تنفك عن إرادة باطنة هي أصل حركتها الظاهرة، فلا يأتي الظاهر العملي إلا ترجمانا للباطن العلمي، بل لو احتال منافق فأظهر خلاف ما يبطن فمآله إلى افتضاح لا محالة بفلتة قول أو فعل تنبئ عن مكنون صدره ودخيلة نفسه.

فإذا أردت أن تنزع هذا الوصف من النفس، مع إثبات وصف الحياة لها، فقد رمت محالا، فالحياة لا تنفك عن الإحساس والحركة كما لا ينفك الدولاب أو الطاحون عن الدوران، فإذا نزع وصف الحياة الحساسة المتحركة من النفس فليست نفسا، بل هي جسد ميت سرعان ما يعتريه الفساد والتحلل، وإذا نزع الدوران من الطاحون فليس طاحونا وإنما هو جرم جامد لا يوصف بأنه طاحون، إذ قد زال عنه الوصف المؤثر فزال الاسم تبعا على ما اطرد في الأصول الشرعية والعقلية من تعليق الأحكام بأسماء تدل على أوصاف مؤثرة في وجود الحكم أو عدمه، فإذا وجد الوصف استحق المسمى الاسم فتعلق به الحكم، وإذا عدم عدم الاسم فالحكم تبعا، فالأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما، وكذلك النفس تدور مع صفة الحركة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير